للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إن هذا الكلام من السيدة عائشة قد يبدو وكأن فيه شيئا من عدم اللباقة تجاه النبي صلّى الله عليه وسلم، غير أن الظرف والحالة، هما اللذان أمليا عليها هذا الكلام، فهي إنما انساقت بوحي الحالة التي كونتها الحكمة الإلهية تثبيتا لعقيدة المؤمنين، وقطعا لإفك المنافقين والملحدين، وإظهارا لمعنى التوحيد والعبودية الشاملة لله وحده.

وهكذا فقد انطوت قصة الإفك على حكمة إلهية باهرة استهدفت تثبيت العقيدة الإسلامية، وردّ ما قد يعرض من شبه عليها، وتلك هي الخيرية التي عبر الله عنها بقوله: لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ [النور ٢٤/ ١١] .

خامسا: في قصة الإفك هذه، ما يدلنا على مشروعية حد القذف. فقد رأينا أن النبي صلّى الله عليه وسلم أمر بأولئك الذين تفوّهوا بصريح القذف، فضربوا حد القذف وهو ثمانون جلدة. وليس في هذا من إشكال.

إنما الإشكال في أن ينجو من الحد الذي تولى كبر هذه الشائعة وتسييرها بين الناس، وهو عبد الله بن أبيّ بن سلول، والسبب، كما قال ابن القيم: أنه كان يعالج الحديث من الإفك بين الناس بخبث، فكان يستوشي الكلام فيه ويجمعه ويحكيه في قوالب من لا ينسب إليه «٦٦» . وأنت خبير أن حد القذف إنما يقع على من يتفوّه به بصريح القول.

هذا ولنختم الحديث عن قصة الإفك ودروسها، بذكر الآيات العشرة التي نزلت ببراءة أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، وإدانة المنافقين والخاطئين.

يقول الله تعالى:

إِنَّ الَّذِينَ جاؤُ بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ، لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ، وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذابٌ عَظِيمٌ، لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْراً، وَقالُوا هذا إِفْكٌ مُبِينٌ، لَوْلا جاؤُ عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ، فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَداءِ فَأُولئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكاذِبُونَ، وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ، لَمَسَّكُمْ فِيما أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذابٌ عَظِيمٌ، إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْواهِكُمْ ما لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ، وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ. وَلَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ ما يَكُونُ لَنا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهذا، سُبْحانَكَ هذا بُهْتانٌ عَظِيمٌ. يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَداً إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ وَيُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ. إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ، وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ [النور ٢٤/ ١١- ٢٠] .


(٦٦) راجع زاد المعاد لابن القيم: ٢/ ١١٥

<<  <   >  >>