للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال ابن حجر في الفتح: «والذي يظهر لي أن ظن سعد كان مصيبا وأن دعاءه في هذه القصة كان مجابا، وذلك أنه لم يقع بين المسلمين وبين قريش من بعد وقعة الخندق حرب يكون ابتداء القصد فيها من المشركين، فإنه صلّى الله عليه وسلم تجهز إلى العمرة فصدوه عن دخول مكة، وكادت الحرب أن تقع بينهم فلم تقع كما قال تعالى: وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ [الفتح ٤٨/ ٢٤] . ثم وقعت الهدنة، واعتمر رسول الله صلّى الله عليه وسلم من قابل، واستمر ذلك إلى أن نقضوا العهد، فتوجه إليهم غازيا، ففتحت مكة» «٩٣» .

وقد قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم في منصرفه عن غزوة الأحزاب، فيما رواه البخاري: «الآن نغزوهم هم ولا يغزوننا، نحن نسير إليهم» ، وأخرج البزار بإسناد حسن من حديث جابر أنه صلّى الله عليه وسلم قال يوم الأحزاب، وقد جمعوا له جموعا كثيرة: «لا يغزونكم بعد هذا أبدا ولكن أنتم تغزونهم» .

وأخيرا، فإن قصة سعد هذه، بملابساتها التي ذكرناها، تذكرك بما كنا قررناه سابقا من أن الحرب الدفاعية في الإسلام ما كانت إلا مرحلة من مراحل الدعوة التي سار فيها رسول الله صلّى الله عليه وسلم، وقد جاءت من بعدها مرحلة دعوة الناس كلهم إلى الإسلام بحيث لا يقبل من الملاحدة والمشركين إلا الإسلام، ولا يقبل من أهل الكتاب إلا الدخول فيه أو الخضوع تحت حكمه العام، مع قتال كل من وقف دون هذه السبيل، ما دام ذلك ممكنا، وبعد استنفاد وسائل الدعوة السلمية المعروفة.

وليس بعد تكامل الحكم الإسلامي فيما يتعلق بالجهاد والدعوة، أي معنى لما يسمى بالحرب الدفاعية التي شاعت أخيرا على ألسنة بعض الباحثين وإلا فما معنى قوله عليه الصلاة والسلام:

«ولكن أنتم تغزونهم؟» .


(٩٣) فتح الباري: ٧/ ٢٩٢

<<  <   >  >>