للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الناس قياما فليتبوأ مقعده من النار» . لأن مشروعية إكرام الفضلاء وتوقيرهم لا تستدعي السعي منهم إلى ذلك أو تعلق قلوبهم بمحبته، بل إن من أبرز صفات الصالحين والفضلاء أن يكونوا متواضعين لإخوانهم زهّادا في طلب هذا الشيء. أرأيت إلى الفقير المحتاج؟ إن الأدب الإسلامي يوصيه ويعلمه الترفع عن المسألة وإظهار الفاقة والحاجة للناس، ولكن هذا الأدب الإسلامي نفسه يوصي الأغنياء بالبحث عن هؤلاء الفقراء المتعففين ويأمرهم بإكرامهم وإعطائهم من فضول أموالهم.

فلكل أدب ووظيفة، ولا ينبغي أن نخلط بينهما، أو ننسخ الواحد بالآخر فإن ذلك من أسوأ مظاهر التسرع والجهل.

غير أن من أهم ما ينبغي أن تعلمه في هذا الصدد أن لهذا الإكرام المشروع حدودا إذا تجاوزها، انقلب الأمر محرما واشترك في الإثم كل من مقترفه والساكت عليه.

فمن ذلك ما قد تجده في مجالس بعض المتصوفة من وقوف المريدين عليهم وهم جلوس، يقف الواحد منهم أمام شيخه في انكسار وذل مطرقا لا يطرف إلى أن يأذن له بالجلوس، ومنه ما يفعله بعضهم من السجود على ركبة الشيخ أو يده عند قدومه عليه. أو ما يفعله من الحبو إليه عندما يغشى المجلس. ولا يخدعنك ما قد يقال في تسويغ ذلك من أنه أسلوب من التربية للمريد! ..

فالإسلام قد شرع مناهج وأساليب للتربية وحظر على المسلمين الخروج عليها، وليس بعد الأسلوب النبوي في التربية من أسلوب يقرّ أو يعاج عليه.

سادسا: (مزايا خاصة لسعد بن معاذ) ، وإنك لتقف خلال اطلاعك على هذه الغزوة، على مزية كبرى لسيدنا سعد بن معاذ رضي الله عنه، فإنك لتجد ذلك أولا، في إعطاء النبي صلّى الله عليه وسلم له صلاحية الحكم بما يشاء على بني قريظة، وجعل موقفه منه- وهو رسول الله صلّى الله عليه وسلم- موقف الموافق والمؤيد لكل ما سيحكم به. ونجد ذلك ثانيا في أمر النبي صلّى الله عليه وسلم للأنصار بالقيام إليه حينما أقبل إليهم، وتلك مزية كبرى لسعد حينما يكون هذا الأمر صادرا من رسول الله صلّى الله عليه وسلم.

ثم تجد ذلك في قصة الجرح الذي كان قد أصابه في كاحله في غزوة الخندق. لقد رفع يديه يدعو الله تعالى يوم أن أصابه هذا الجرح قائلا: «اللهم إنك تعلم أنه ليس أحد أحب إليّ أن أجاهدهم فيك من قوم كذبوا رسولك صلّى الله عليه وسلم، وأخرجوه، اللهم فإن بقي من حرب قريش شيء فأبقني له حتى أجاهدهم فيك» وقد استجيب دعاء سعد فتحجر جرحه وتماثل للشفاء، حتى كانت غزوة بني قريظة، وجعل رسول الله صلّى الله عليه وسلم الحكم فيهم إليه، وكفى الله المؤمنين شرّ اليهود وتطهرت المدينة من أرجاسهم، رفع سعد يده يدعو الله ثانية يقول: «اللهم فإني أظن أنك قد وضعت الحرب بيننا وبينهم (يعني قريشا والمشركين) فإن كنت قد وضعت الحرب بيننا وبينهم فافجرها واجعل موتي فيها» ، وقد استجيب دعاؤه فانفجر جرحه تلك الليلة ومات رحمه الله تعالى.

<<  <   >  >>