للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الحديث عنه صلّى الله عليه وسلم وعن علاماته وبعثته، ولكنهم كانوا عبيدا لعصبيتهم وتكبرهم. وذلك هو سبب الكفر عند كثير ممن يتظاهر بعدم الإيمان والفهم، وذلك هو الدليل البين على أن الإسلام في عقيدته وعامة أحكامه إنما هو دين الفطرة البشرية الصافية، ينسجم في عقيدته مع العقل وينسجم في تشريعاته وأحكامه مع حاجات الإنسان ومصالحه، فلن تجد من عاقل سمع باسم الإسلام وألّم بحقيقته وجوهره ثم كفر به كفرا عقليا صادقا. إنما هو أحد شيئين: إما أنه لم يسمع بالإسلام على حقيقته وإنما قيل له عنه كلام زائف باطل، وإما أنه وقف على حقيقته واطلع على جوهره، فهو يأباه إباء نفسيا لحقد على المسلمين أو غرض أو هوى يخشى فواته.

خامسا: (حكم القيام إكراما للقادم) ، أمر النبي صلّى الله عليه وسلم الأنصار حينما أقبل نحوهم سعد بن معاذ راكبا دابته أن يقوموا إليه تكريما له، ودلّ على هذا التعليل قوله: لسيدكم أو خيركم، وقد استدل عامة العلماء بهذا وغيره على مشروعية إكرام الصالحين والعلماء بالقيام إليهم في المناسبات الداعية إلى ذلك عرفا.

يقول الإمام النووي في تعليق على هذا الحديث: «فيه إكرام أهل الفضل وتلقيهم بالقيام لهم إذا أقبلوا. هكذا احتج به جماهير العلماء لاستحباب القيام. قال القاضي: وليس هذا من القيام المنهي عنه، وإنما ذلك فيمن يقومون عليه وهو جالس ويمثلون قياما طول جلوسه. قلت:

القيام للقادم من أهل الفضل مستحب، وقد جاء فيه أحاديث، ولم يصح في النهي عنه شيء صريح» «٩١» .

ومن الأحاديث الثابتة الدالة أيضا على ذلك، ما جاء في حديث كعب بن مالك المتفق عليه، وهو يقص خبر تخلفه عن غزوة تبوك، قال: «فانطلقت أتأمم رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فتلقاني الناس فوجا فوجا يهنئوني بالتوبة، ويقولون لي: لتهنك توبة الله عليك، حتى دخلت المسجد، فإذا رسول الله جالس حوله الناس، فقام إليّ طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه يهرول حتى صافحني وهنأني، والله ما قام رجل من المهاجرين غيره- فكان كعب لا ينساها لطلحة» .

ومن ذلك أيضا ما رواه الترمذي وأبو داود والبخاري في الأدب المفرد عن عائشة رضي الله عنها قالت: «ما رأيت أحدا من الناس كان أشبه بالنبي صلّى الله عليه وسلم كلاما ولا حديثا ولا جلسة من فاطمة، قالت: وكان النبي صلّى الله عليه وسلم إذا رآها أقبلت رحب بها ثم قام إليها فقبلها، ثم أخذ بيدها فجاء بها حتى يجلسها في مكانه، وكانت إذا أتاها النبي صلّى الله عليه وسلم رحبت به ثم قامت إليه فقبلته» «٩٢» .

واعلم أن هذا كله لا يتنافى مع ما صح عن رسول الله صلّى الله عليه وسلم أنه قال: «من أحبّ أن يتمثل له


(٩١) النووي على مسلم: ١٢/ ٩٣
(٩٢) هذا اللفظ للبخاري والروايات الأخرى لا تختلف عن هذه إلا بألفاظ أو زيادات بسيطة.

<<  <   >  >>