للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولا لكرّ ولا لهرب، وهو مع هذا أيضا يركضها إلى وجوههم وينوّه باسمه ليعرفه من لم يعرفه صلوات الله وسلامه عليه دائما إلى يوم الدين، وما هذا كله إلا ثقة بالله وتوكلا عليه وعلما بأنه سينصره ويتمّ ما أرسله به، ويظهر دينه على سائر الأديان» «٩٠» .

رابعا- خروج المرأة للجهاد مع الرجال:

فأما خروجها لمداواة الجرحى وسقي العطاش، فقد ثبت ذلك في الصحيح، في عدة غزوات: وأما خروجها للقتال، فلم يثبت في السّنة وإن كان الإمام البخاري قد ذكر في كتاب الجهاد بابا جعل عنوانه: باب غزو النساء وقتالهن مع الرجال. إذ إن الأحاديث التي ساقها في هذا الباب ليس فيها ما يدل على اشتراك النساء مع الرجال في القتال، قال ابن حجر: «ولم أر في شيء من ذلك (أي الأحاديث الواردة في هذا الموضوع) التصريح بأنهن قاتلن» «٩١» .

أما ما ذكره الفقهاء في حكم خروج المرأة للقتال، فهو أن العدو إن داهم بلدة من بلاد المسلمين وجب على جميع أهلها الخروج لقتاله بما فيهم النساء، إن تأملنا منهن دفاعا وبلاء، وإلا فلا يشرع ذلك «٩٢» ، أما الخنجر الذي كان مع أم سليم فقد كان لمجرد الدفاع عن نفسها كما قالت.

وعلى هذا ينزّل ما رواه البخاري وغيره عن عائشة رضي الله عنها أنها استأذنت رسول الله صلّى الله عليه وسلم في الجهاد، فقال: «جهادكن الحج» ، فالمقصود الذي استأذنت به عائشة رضي الله عنها، إنما هو المشاركة في القتال لا الحضور للمداواة والخدمة وما أشبه ذلك، فهو مشروع، إذا توفرت شروطه، باتفاق.

وعلى كل فإن خروج المرأة مع الرجال إلى الجهاد مشروط بأن تكون في حالة تامة من الستر والصيانة، وأن يكون خروجها لحاجة حقيقية إلى ذلك، فأما إذا لم تكن ثم حاجة حقيقية أو كان ذلك يعرضها للوقوع في المحرمات فخروجها محرم لا يجوز إقراره.

والمهم أن تعلم أن الأحكام الإسلامية منوطة بعضها ببعض، فلا ينبغي تخيّر ما توحي به الأهواء منها لأسباب معينة مع الإعراض عما يتعلق به من الأحكام والواجبات الأخرى. إن مثل هذا يعتبر بلا ريب مصداقا واضحا لقول الله تعالى: أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَما جَزاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يُرَدُّونَ إِلى أَشَدِّ الْعَذابِ، وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ [البقرة ٢/ ٨٥] .

ومن المكر القبيح لدين الله تعالى ما يعمد إليه بعض الناس لأغراض دنيوية حقيرة، من


(٩٠) تفسير ابن كثير: ٢/ ٤٥
(٩١) راجع فتح الباري: ٦/ ٥١
(٩٢) راجع مغني المحتاج: ٤/ ٢١٩

<<  <   >  >>