غيرهم، ولم يراع في تلك القسمة قاعدة المساواة الأصلية بين المقاتلين. وهذا العمل منه صلّى الله عليه وسلم من أهم الأدلة التي استدل بها عامة الأئمة والفقهاء على أنه يجوز للإمام أن يزيد في عطاء من يتألف قلوبهم على الإسلام بالقدر الذي تدعو إليه مصلحة تألف قلوبهم، بل يجب عليه ذلك عندما تدعو إليه المصلحة، ولا مانع من أن يكون هذا العطاء من أصل الغنائم.
ومن هنا كان لهؤلاء الناس سهم خاص باسمهم في الزكاة، يجتمع تحت يد الحاكم ليعطي منه (كلما دعت الحاجة) لمن يرى أن المصلحة الإسلامية تدعو إلى تألف قلوبهم.
عاشرا- فضل الأنصار ومدى محبة الرسول صلّى الله عليه وسلم لهم:
صدق رسول الله صلّى الله عليه وسلم إذ قال: «إن الشيطان ليجري من ابن آدم مجرى الدم» ، فقد أراد الشيطان أن يبث في نفوس جماعة من الأنصار معنى النقد على السياسة التي اتبعها عليه الصلاة والسلام في توزيع الغنائم، وربما أراد لهم الشيطان أن يتصوروا أن النبي صلّى الله عليه وسلم قد أدركته محبة قومه وبني وطنه فنسي في جنبهم الأنصار! ..
فماذا قال لهم النبي عليه الصلاة والسلام لما أخبر بذلك؟
إن الخطاب الذي ألقاه عليهم جوابا على هذه الوساوس، ليفيض بمعاني الرقة والذوق الرفيع، ومشاعر المحبة الشديدة للأنصار، وهو يفيض في الوقت ذاته بدلائل التألم من أن يتهم من قبل أحب الناس إليه بنسيانهم والإعراض عنهم.
عد إلى خطابه هذا فتأمله.. فسترى أنه قد ضمنه أدق خفقات قلبه وألطف إحساساته!.
ولقد لا مست هذه الرقة والخفقات مشاعر الأنصار فهزتها هزا، ونفضت منها ما كان قد علق بها من الوساوس والهواجس، فارتفعت أصواتهم بالبكاء فرحا بنبيهم وابتهاجا بقسمتهم ونصيبهم.
فما المال وما الشياه والغنائم، في جنب حبيبهم رسول الله صلّى الله عليه وسلم إذ يعودون به ويعود بهم إلى ديارهم ليكون المحيا والممات فيما بينهم؟ وأي برهان منه عليه الصلاة والسلام ينطق بالوفاء وخالص المحبة والود أكثر من هذا.. أي أكثر من أن يدع وطنه ومسقط رأسه ليقضي بقية أيامه فيما بينهم؟!
ثم متى كان المال في ميزان رسول الله صلّى الله عليه وسلم دليلا على التقدير والحب؟!
إنه أعطى قريشا كثيرا من الأموال والغنائم.. فهل خصّ نفسه بشيء من ذلك أم جعل نصيبه منه كنصيب الأنصار؟ لقد عمد إلى (الخمس) الذي جعله الله خاصا برسوله يضعه حيث شاء، فوزعه بين أولئك الأعراب الذين كانوا من حوله.
وتأمل فيما قاله لهم، وهم يحدقون به ويستزيدون في العطاء: «أيها الناس، والله ما لي من فيئكم إلا الخمس، والخمس مردود عليكم» .