للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

سابعا- الجهاد لا يعني الحقد على الكافرين:

وقد دلّ على ذلك ما ذكرناه من أن بعض الصحابة قالوا لرسول الله صلّى الله عليه وسلم عند منصرفهم من حصار الطائف: «ادع الله على ثقيف، فقال: اللهم اهد ثقيفا وأت بهم» . وهذا يعني أن الجهاد ليس إلا ممارسة لوظيفة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإنما هي مسؤولية الناس كلهم بعضهم تجاه بعض، لمحاولة إعتاق أنفسهم من العذاب الأبدي يوم القيامة.

ومن ثم فإن الدعاء من المسلمين لا ينبغي أن يتجه إلى غيرهم إلا بالهداية والإصلاح، لأن هذه الغاية هي الحكمة من مشروعية الجهاد.

ثامنا- متى يتملك الجند الغنائم؟

ذكرنا أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال لوفد هوزان حينما جاؤوه مسلمين: لقد استأنيت بكم، أي أخرت قسم الغنائم آملا في إسلامكم.

وهذا يدلّ على أن الجند إنما يملكون الغنائم بعد تقسيم الحاكم أو الإمام لها، فمهما دامت قبل القسمة فهي لا تعتبر ملكا للمقاتلين. وتلك هي فائدة تأخير النبي صلّى الله عليه وسلم لتقسيمها بين المسلمين.

كما أن هذا يدل أيضا على أن للإمام أن يعيد الغنائم إلى أصحابها إذا جاؤوه مسلمين إذا لم يكن قد قسمها بين الجند، وقد كان هذا ما يفضله رسول الله صلّى الله عليه وسلم.

ويدل موقفه صلّى الله عليه وسلم من وفد هوازن وأموالهم التي غنمها المسلمون، على أن ما قسم من هذه الأموال بينهم، لا يجوز للإمام أن يسترد شيئا منه إلا بطيب نفس من صاحبه دون أن يتأثر بأي جبر أو إكراه.

وتأمل في مدى دقته صلّى الله عليه وسلم في أمر هذا الاستئذان من أصحاب الأموال فإنه عليه الصلاة والسلام لم يشأ أن يكتفي بصيحاتهم الجماعية المرتفعة: قد طيبنا ذلك يا رسول الله (أي طابت بإرجاعه نفوسنا) ؛ بل أصرّ على أن يعلم أمر هذا الرضى ويستوثق منه بواسطة السماع من كل شخص على حدة أو السماع من وكلائهم وعرفائهم.

وهذا يعني أنه ليس للحاكم أن يستعمل شيئا من صلاحياته وسلطانه في حمل الناس على أن يتنازلوا عن شيء من حقوقهم وممتلكاتهم المشروعة، بل إن الشارع لم يعطه شيئا من هذه الصلاحيات والامتيازات، حتى ولو كان رسولا.

وتلك هي العدالة والمساواة الحقيقية الرائعة! .. فلتدفن نفسها في الرغام كل دعوى باطلة تريد أن تخب- بالألفاظ والشعارات- وراء هذه المثل والقيم الإلهية العظيمة.

تاسعا- سياسة الإسلام نحو المؤلفة قلوبهم:

لقد رأيت أن النبي صلّى الله عليه وسلم اختص أهل مكة الذين أسلموا عام الفتح بمزيد من الغنائم عن

<<  <   >  >>