للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تلك هي خلاصة أفكاره في الكتاب. وتقرأ هذه الأفكار من أولها إلى آخرها فلا تجده يقدم إليك دليلا واحدا على شيء مما يقول. وتتأمل في هذا الذي يعرضه، فلا تشك في أن الرجل قد استودع قواه العقلية بعيدا عن المكان الذي جلس يكتب فيه، واستعاض عنها بأوهام وخيالات خصبة راح يستوحي منها كل ما يقرره ويحكم به.

ويبدو أنه حينما جلس يكتب مقدمة الترجمة العربية له، تصور كيف أن القراء سينبذون أفكاره هذه عن الإسلام باحتقار، فراح يعتذر! ..

راح يعتذر بأن قال: «إن الأفكار التي أسست عليها هذه الفصول ليست بنات دماغ هذا المؤلف، بل سبقني إليها ودلني عليها جماعة من المفكرين ومن أقطاب المسلمين، وقد يطول إحصاؤهم، فسأكتفي بذكر أحدهم بسبيل المثال، هو الشيخ الكبير شاه ولي الله الدهلوي» .

ثم نقل نصا للشاه ولي الله الدهلوي عزاه إلى ج ١ ص ١٢٢ من كتابه حجة الله البالغة، ويبدو أنه اطمأن إلى أن أحدا من القراء لن يجشم نفسه مشقة الرجوع إلى الكتاب والتأكد من النص الذي فيه، فحرف على لسان الرجل ما شاء له هواه. واقتنص منه ما رآه كفيلا بتحوير معناه وتنكيس مقصده، حتى حمله بذلك من الوزر ما لم يحمل وأنطقه بما هو منه بريء.

فأما النص كما انتزعه واقتنصه من أصله فهو ما يلي:

«إن النبي صلّى الله عليه وسلم بعث بعثة تتضمن بعثة أخرى، فالأولى إنما كانت إلى بني إسماعيل.. وهذه البعثة تستوجب أن يكون مادة شريعته ما عندهم من الشعائر وسنن العبادات ووجوه الارتفاقات، إذ الشرع إنما هو إصلاح ما عندهم لا تكليفهم بما لا يعرفونه أصلا» «١١» .

وأما النص الكامل الثابت في كتاب حجة الله البالغة إلى جانب نفس العبارات التي اقتنصها ليحور معناها فهو ما يلي:

«واعلم أنه صلّى الله عليه وسلم بعث بالحنيفية الإسماعيلية، لإقامة عوجها وإزالة تحريفها وإشاعة نورها، وذلك قوله تعالى: مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ ولما كان الأمر على ذلك، وجب أن تكون أصول تلك الملة مسلمة وسنتها مقررة، إذ النبي إذا بعث إلى قوم فيهم بقية سنة راشدة فلا معنى لتغييرها وتبديلها، بل الواجب تقريرها لأنه أطوع لنفوسهم وأثبت عند الاحتجاج عليهم، وكان بنو إسماعيل توارثوا منهاج أبيهم إسماعيل، فكانوا على تلك الشريعة إلى أن وجد عمرو بن لحيّ، فأدخل فيها أشياء برأيه الكاسد، فضل وأضل. وشرع عبادة الأوثان وسيّب السوائب وبحر البحائر، فهنالك بطل الدين واختلط الصحيح بالفاسد وغلب عليهم الجهل والشرك والكفر فبعث الله محمدا صلّى الله عليه وسلم مقيما لعوجهم ومصلحا لفسادهم، فنظر صلّى الله عليه وسلم في شريعتهم فما كان منها موافقا لمنهاج


(١١) انظر بنية الفكر الديني لجيب: ٥٨

<<  <   >  >>