ومهما يكن صحيحا ما يقوله الناس من ابتعاد المسلمين عن منهجهم الإسلامي العظيم في هذه السنوات الأخيرة، فإن الذي أعتقده أن الناشئة المسلمة اليوم تملك من الوعي الإسلامي ودقة التأمل والملاحظة ما لم يكن يملكه المسلمون في أي عهد (قريب) مضى. ولن يمر زمن طويل حتى تجد أن هذا الوعي قد انقلب إلى حركة إيجابية عاملة، تصلح الانحراف، وتقوم الاعوجاج، وتعيد البناء الإسلامي من جديد.
٩- ومن ناحية أخرى فقد فضلت أن أسير في كتابة هذه البحوث على المنهج المدرسي القائم على استنباط القواعد والأحكام، مبتعدا عن المنهج الأدبي التحليلي المجرد، وإن كان لكلّ مزيته وفائدته، ذلك لأن المجال الذي أقدم فيه الكتاب (وهو المجال الجامعي) إنما ينسجم ويتفق مع الطريقة الأولى. ولقد وجدت من رضا القرّاء عن هذا المنهج- على اختلافهم- ما دفعني إلى مزيد من التوسع في ذلك والدقة فيه. وإن كنت أعلم أنني لم أستوف البحث حقه ولم أعالج كل ما ينبغي معالجته. ومردّ ذلك: أولا، إلى عجزي وقصوري ولا شك. ثانيا، إلى أنني لا أريد أن أفيض في ذكر المسائل والأحكام ومتعلقاتها إلى الحد الذي يشق معه على القارئ أن يقرأ الكتاب كله لقاء جهد يسير. فإن الكتاب إذا تجاوز إلى هذا الحد، قلّت فائدته بنظري وأصبح مرجعا يستعان به عند المناسبات، بدلا من أن يكون كتابا سهلا سائغا يقتنى للقراءة والدرس في أعمّ الأحوال.
*** ١٠- غير أن هنالك فئة أخرى من الناس، لم يعجبها هذا الذي صنعت، بل ذهب بعض أفرادها في نقده مذهبا تسربل فيه بلباس الضغينة والحقد، بدلا من أن يظهر في مظهر البحث العلمي المتجرد.
ولوددت لو أنني نبهت إلى خطأ انحرفت إليه لدى البحث، أو غفلة أصابتني عند بيان حكم أو دليل من قبل أخ مخلص، لأشكر له تنبيهه وأدعو له بالمثوبة والأجر، ولكنني لم أقع بدلا من ذلك إلا على ما لا حصيلة له من القول المنبعث عن رغبة واضحة في الإساءة والتّشفي والانتصار للعصبة والعصبية.
١١- فلقد وجدت- مثلا- في هدي رسول الله صلّى الله عليه وسلم وعمل أصحابه ما أوضح بشكل لا خفاء فيه مشروعية التوسل برسول الله صلّى الله عليه وسلم حيّا وميتا، فقررت ذلك بعد أن عرضت بين يديه ما لا يمكن ردّه من الأدلة والبراهين.
ووجدت في سيرته صلّى الله عليه وسلم ما أوضح مشروعية القيام إكراما للقادم، فذكرت هذه الأدلة وأوضحت ما ذكره العلماء من الفرق بين القيام للقادم والقيام على الرجل الجالس، وما أوضحته