الاستسلام لهذا الحق والتفاعل معه، أما الآخرون فلم يجدوا ما يعوقهم عن الاستسلام لشيء آمنوا به واستيقنوه.
فما العلاقة بين هذه الحقيقة التي يفهمها كل باحث، وما يزعمه أولئك الزاعمون؟
وأما أن خطة الدعوة الإسلامية التي سلكها رسول الله صلّى الله عليه وسلم كانت تهدف إلى امتلاك المسلمين لمنابع الثروة واستيلاءهم على عروش الملوك واستلاب السيادة منهم، - بدليل أن المسلمين قد وصلوا فعلا إلى ذلك- فإنه والله أشبه بمحاولة الجمع بين المشرق والمغرب؟ ..
إذا كان المسلمون قد تمكنوا من فتح بلاد الروم وفارس، في حقبة يسيرة من الزمن، بعد أن صدقوا الله في إسلامهم، أفيكون ذلك دليلا على أنهم ما أسلموا إلا طمعا بعرش الروم والفرس؟!.
لو أنهم أرادوا من وراء إسلامهم الوصول إلى شهوة من شهوات الدنيا أيا كانت، لما تحقق لهم ولا الجزء اليسير من معجزة ذلك الفتح.
لو كان عمر وهو يجهز جيش القادسية ويودع قائده سعد بن أبي وقاص، يطمع في كنوز كسرى، ويسيل لعابه رغبة في أن يتقلب في مثل نعيمه ويجلس على مثل عرشه، لما عاد إليه سعد إلّا بأثقال من الخيبة والهوان، ولكنهم صدقوا الله في الجهاد من أجل نصرة دينه، فصدقهم فيما أكرمهم به من تمليكهم زمام الحكم وإغنائهم بما لم يكونوا يحلمون.
لو كان الحلم الذي يراود المسلمين في معركة القادسية، وصولا إلى ثروة وتقلبا في نعيم وتحقيقا للذائذ العيش، إذن لما دخل ربعي بن عامر رضي الله عنه سرادق رستم مزدريا مظاهر الترف التي غمس فيها السرادق غمسا يتوكأ بزج رمحه على البسط والنمارق الفاخرة حتى أفسدها، ولما قال لرستم: «إن دخلتم الإسلام تركناكم وأرضكم وأموالكم» ! .. أهكذا يقول من جاء ليستلب الملك والأرض والمال؟
لقد أكرمهم الله بمقدرات الدنيا كلها، لأنهم لم يكونوا يفكرون فيها، وإنما كان تفكيرهم منصرفا إلى تحقيق مرضاة الله.
ولو كانوا يهدفون من جهادهم إلى هذه المقدرات لما وصلوا إلى شيء منها.
المسألة بما فيها ليست إلا تحقيقا للقانون الإلهي الذي يقول:
وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً، وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ [القصص ٢٨/ ٥] .
وإن تفهم هذا القانون لأيسر ما يكون على العقل أي عقل كان، بشرط واحد، هو أن يكون صاحبه حرا عن العبودية لأي رغبة أو غرض.