فقال: اعطني النصفية التي أودعها فلان عندك. فقال: نعم. ودخل فأخرجها. فقال: اعطني، فأخذها وذهب ولم يقل شيئاً. وجاء السارق بعد ذلك إلى المودع، يطلب النصفية. فقال له: جاء الشيخ زين الدين الآمدي وطلبها على لسانك، فأعطيته إياها. فبهت السارق، وبقي حائراً. ولم يعنفه الشيخ ولا وأخذه.
ومنها أنه قال: رأيت في المنام كأن شخصاً أطعمني دجاجة مطبوخة فأكلت منها ثم استيقظت وبقيتها في يدي وهذا شيء عجيب وهاتان الواقعتان مشهورتان عنه.
ولما دخل السلطان غازان بن السلطان ارغون بن السلطان آباقا بن السلطان هولاكو بن السلطان جنكز خان بغداد سنة خمس وتسعين وستمائة، أعلم بالشيخ زين الدين الآمدي المذكور. فقال. إذا جئت غداً المدرسة المستنصرية، اجتمع به. فلما أتى السلطان غازان المستنصرية، احتفل الناس له واجتمع بالمدرسة أعيان بغداد وأكابرها من القضاة والعلماء والعظماء، وفيهم الشيخ زين الدين الآمدي، لتلقى السلطان. فأمر غازان أكابر أمرائه أن يدخلوا المدرسة قبله واحداً بعد واحد، ويسلم كل منهم على الشيخ زين الدين، ويوهمه الذين معه انه هو السلطان، امتحاناً له: فجعل الناس، كلما قدم أمير، يزهزهون له ويعظمونه ويأتون به إلى الشيخ زين الدين، ليسلم عليه، والشيخ يرد السلام على كل من أتى به إليه من غير تحرك له ولا احتفال به. حتى جاء السلطان غازان في دون من تقدمة من الأأمراء في الحغل وسلم على الشيخ وصافحه فحين وضع يده نهض له قائماً، وقبل يده وأعظم ملتقاه والاحتفال به وأعظم الدعاء له باللسان المغلي، ثم بالتركي، ثم بالفارسي، ثم بالرومي، ثم بالعربي، ورفع به صوته، إعلاماً للناس. وكان زين المذكور يعرف بألسن عدة فعجب السلطان غازان من فطنته وذكائه وحدة ذهنه ومعرفته مع ضرره. ثم إن السلطان خلع عليه في الحال ووهبه مالاً ورسم له بمرتب يجري عليه في كل شهر ثلاثمائة ردهم. وحظي عنده وعند أمرائه ووزرائه وخواتينه كثيراً.
ومن تصانيفه: جواهر التبصير في علم التعبير. وله تعاليق كثيرة في الفقه والخلاف وغير ذلك. وانتفع به جماعة. وكان يتجر في الكتب. وله كتب كثيرة جداً وكان إذا طلب منه كتاب وكان يعلم أنه عنده نهض إلى خزانة كتبه واستخرجه من بينها كأنه قد وضعه لساعته وإن كان الكتاب عدة مجلدات وطلب منه الأول مثلاً أو الثاني أو الثالث أو غير ذلك أخرجه بعينه وأتى به. وكان يمس الكتاب أولاً ثم يقول: يشتمل