وتخرج به أعيان زمانه من أهلها. ومضى إلى الشام وعاد إلى الموصل. قال ياقوت رحمه الله: رأيته وكان شيخاً طوالاً على وجهه أثر الجدري إلا أنني ما قرات عليه شيئاً. وكان حراً كريماً صالحاً صبوراً على المشتغلين. يجلس لهم من سحر إلى أن يصلي العشاء الآخرة. وكان من أحفظ الناس للقرآن، ناقلاً للسبع. وكان قد أخذ من كل علم طرفاً وسمع الحديث فأكثر. ومن شعره:
إذا احتاج النوال إلى شفيع ... فلا تقبله تضح قرير عين
إذا عيف النوال لفرد من ... فأولى أن يعاف لمنتين
وكان يتعصب لأبي العلاء المعري ويطرب إذا قرئ عليه شعره، للجامع بينهما من الأدب والعمى. لأنه اضر بأخرة. وكان أولاً في ماكسين يعرف بمكيك، تصغير مكي. فلما ارتحل عن ماكسين وتميز واشتغل، اشتاق إلى وطنه. فعاد إليها وتسامع به الناس، ممن كان قد بقي يعرفه. فزاروه وفرحوا بفضله. فبات تلك الليلة فلما كان من الغد خرج لى الحمام سحر، فمسع امرأة تقول من غرفتها لأخرة: ما تدرين من جاء؟ قالت: لا. قالت: مكيك بن فلانة. فقال: والله لا أقمت في بلد أدعى فيه بمكيك! وسافر من وقته إلى الموصل بعد ما كان قد نوى الإقامة في وطنه. وماكسين بليدة على نهر الخابور من أعمال الجزيرة.
مكي بن علي: بن الحسن الحريري أبو الحرم الضرير. الفقيه الشافعي المعروف بالعراقي. قرا الفقه ببغداد على أبي منصور سعيد بن محمد بن الرزاز. وسكن دمشق إلى حين وفاته. وتفقه بها على أبي السحن علي بن المسلم السلمي. وسمع منه ومن الفقيه نصر الله بن محمد بن عبد القوي المصيصي. وحدث باليسير. وتوفي رحمه اله تعالى سنة ثلاث وتسعين وخمسمائة.
منصور بن إسماعيل: بن عمر أبي الحسن. الفقيه الشافعي التميمي. أصله من رأس العين. وهو من أصحاب الشافعي. كان ضريراً. وله مصنفات في المذهب، مليحة. منها: الواجب، والمستعمل، والمسافر، والهداية. وذكره الشيخ أبو إسحاق في طبقات الفقهاء. وتوفي رحمه الله تعالى سنة ست وثلاثمائة بمصر. أصابته مسغبة شديدة