عظيم الخلق والوجه، مجدورا طويلا. وهو معدود في أول مرتبة المحدثين. وهو من مخضرمي الدولتين. وهو من الشعراء المجيدين. وكان خبيث الهجو.
قال بشار: هجوت جريرا، فاحتقرني واستصغرني. ولو أجابني لكنت أشعر الناس. وقال بشار: لي إثني عشرة ألف قصيدة، لعنها الله ولعن قائلها، إن لم يكن في واحدة منها بيت عين.
ومر بشار برجل ندت من تحته بغلة وهو يقول: الحمد لله شكراً، فقال بشار استزده يزدك ومر يوماً بقوم يحملون جنازة وهم يسرعون المشي بها. فقال: مالهم مسرعين؟ أتراهم قد سرقوها؟ وهم يخافون أن يلحقوهم ليأخذوها منهم.
ورفع غلام بشار إليه في حساب نفقته جلاء مرآة، عشرة دراهم. فصاح به بشار، وقال: ما في الدنيا أعجب من جلاء مرآة لأعمى بعشرة! والله؟ لو صدئت عين الشمس حتى يبقى العالم في ظلمة، ما بلغت أجرة من يجلوها عشرة دراهم.
وقال داود بن رزين: جئت بشارا مع جماعة. فأذن لنا والمائدة موضوعة بين يديه، فلم يدعنا إلى طعامه. فلما أكل دعا بالطست، فكشف سوأته وبال. ثم حضرت الظهر والعصر والمغرب، فلم يصل. فقال له بعضنا: أنت أستاذنا. وقد رأينا منك أشياء أنكرناها. قال: وماهي؟ قلنا: دخلنا والطعام بين يديك فلم تدعنا. فقال إنما أذنت لكم لتأكلوا. ولو لم أرد، ما أذنت لكم. قال: ثم ماذا؟ قلنا: دعوت بالطست فبلت، ونحن حضور. فقال: أنا مكفوف وأنتم المأمورون بغض البصر دوني. قال: ثم ماذا؟ قلنا: حضرت الظهر والعصر والمغرب، ولم تصل. فقال: الذي يقبلها تفاريق يقبلها جملة.
وقعد إلى بشار رجل يستثقله، فضرط عليه ضرطة. فظن أنها فلتة منه. ثم ضرط أخرى. ثم ضرط ثالثة. فقال له: يا أبا معاذ ما هذا؟ فقال بشار: أرأيت أم سمعت؟ فقال: بل سمعت صوتا قبيحا. قال: فلا تصدق حتى ترى. وأنشد:
ربما ثقل الجليس وإن كان ... خفيفا في كفه الميزان
كيف لا تحمل الأمانة أرض ... حملت فوقها أبا سفيان
وكان النساء المتظرفات يجئن إلى بشار ويسمعن كلامه وشعره. فسمع واحدة منهن فهويها وراسلها. فقالت لرسوله: قل له أي معنىً فيك لي؟ ويلك أولىك في؟ أنت أعمى لا تراني فتعرف حسني ومقداره، وأنت قبيح لا حظ لي فيك، فليت شعري! لأي شئ تطلب وصال مثلي؟ وجعلت تهزأ به، فأدى إليه الرسول ما قالت. فقال: عد إليها وقل لها: