للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الضالة كالخوارج، والروافض، وما تولد منهما بعد ذلك، فقد أحدثوا في الدين أمورا عظيمة، تنسف أصول الإسلام، فالخوارج انشقوا عن الخليفة الراشد علي - رضي الله عنه -، في سنة (٣٧) وكفروه ومن معه، وزعموا أنهم هم المؤمنون، وحملوا السلاح لقتال من خالفهم، واستباحة ماله ودمه وعرضه، وقد تبرؤوا من خلافة عثمان بعد الفتنة، وهم رأسها، وتبرؤوا من خلافة علي بعد التحكيم، بدعوى لا حكم إلا لله - عز وجل -، وهي مقولة حق أريد بها باطل، كما قال علي - رضي الله عنه -، ولم تكن الرافضة أقل شرا وفسادا في الأرض من الخوارج: فإن من اعتقادهم القول بتحريف القرآن، وأن لهم قرآنا يأتي به المهدي المنتظر، من أبرز الأحكام فيه قتل العرب عن بكرة أبيهم، انتقاما لدولة الفرس، لأن عقيدتهم تكفير الصحابة جميعا عدا ما لا يزيد عن عدد أصابع اليدين، ورمي عائشة بالفاحشة، والقول بعصمة الأئمة من أبناء علي - رضي الله عنه -، ولاسيما ذرية الحسين - رضي الله عنه -، وعلمهم الغيب والتصرف في الكون، وكلام كثير لا يصدقه المجانين فضلا عن العقلاء، يدعون الناس إلى الإيمان بها، ومن لم يؤمن بها فهو عندهم كافر مباح الدم والعرض والمال، ينالون بقتله وتعذيبه أعلى الدرجات في الجنة بزعمهم، فهم لا شك دعاة على أبواب جهنم، من أجابهم كفر، والكافر مصيره النار، نعوذ بالله من الضلال، ولذلك قال علي - رضي الله عنه -: في هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر، ثم عمر، ثم إنا قوم أصابتنا فتنة هذه الدنيا (١)، ولا ريب أن الناس أصابتهم فتنة الدنيا خلال الست السنوات الأخيرة من خلافة عثمان - رضي الله عنه -، وما بعدها، ولذلك قال علي - رضي الله عنه - هذا القول، فمن الناس من فتن في دينه، ومنهم من فتن في ماله وولده، ومنهم من فتن بطلب الجاه والسيادة، وكثرة الثراء والأتباع، وهكذا تستمر الفتنة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.

وقد كره علي - رضي الله عنه - ازدحام الناس عليه، فمنهم المحب الصادق، ومنهم المحب الغالي، ومنهم الكاره له كالخوارج ومن شايعهم، فلما ضجر منهم قال: «اللهم إني قد كرهتهم وكرهوني، فأرحني منهم وأرحهم مني» (٢).


(١) السنة لابن أبي عاصم حديث (١٢٠٨).
(٢) مصنف ابن أبي شيبة حديث (٣٧٠٩٦) وانظر: أنستب الأشراف حديث (٥٢١).

<<  <   >  >>