للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[قتل علي - رضي الله عنه -]

لم يكن علي - رضي الله عنه - جاهلا بمجرايات الأمور، فلديه من خبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بها ما جعله يقول: «يا للدماء, لتُخضبن هذه من هذا» (١) - يعني لحيته من دم رأسه - وقد علم من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، كما علم عثمان أنه شهيد، وأنه يلج الجنة بسبب بلوى تصيبه، وفي رواية أن عليا - رضي الله عنه - قال: «لتُخضبن هذه من هذا، فما ينتظر بالأشقى» قالوا: فأخبرنا به نبير عترته, قال: إذاً تالله تقتلون غير قاتلي, قالوا: أفلا تستخلف, قال: لا, ولكني أترككم إلى ما ترككم إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - , قالوا: فما تقول لربك إذا لقيته؟ قال: أقول: «اللهم إنك تركتني فيهم، ثم قبضتني إليك وأنت فيهم; فإن شئت أصلحتهم, وإن شئت أفسدتهم» (٢).

فكان القدر المحتوم على يد عبد الرحمن بن ملجم وشبيب الأشجعي اكتنفا عليا حين خرج إلى الفجر, فأما شبيب فضربه فأخطأه وثبت سيفه في الحائط, ثم أحصر نحو أبواب كندة, وقال الناس: عليكم صاحب السيف; فلما خشي أن يؤخذ رمى بالسيف ودخل في عرض الناس, وأما عبد الرحمن فضربه بالسيف على قرنه, ثم أحصر نحو باب الفيل; فأدركه عُريض أو عُويض الحضرمي; فأخذه فأدخله على علي, فقال علي: "إن أنا مت فاقتلوه إن شئتم أو دعوه، وإن أنا نجوت كان القصاص" (٣).

برز انقسام المسلمين في خلافة عثمان، واستقر في خلافة علي رضي الله عنهما، وهو من علامات نبوة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وكان أمرا لا مفر منه، ولكن للمحق دلائل كونه على الحق، وللباغي دلائل تدل على بغيه.

قال شيخ الإسلام رحمه الله (٤): الخوارج تكفر عثمان وعليا وسائر أهل الجماعة.

وأما "شيعة علي الذين شايعوه بعد التحكيم، وشيعة معاوية التي شايعته بعد التحكيم فكان بينهما من التقابل، وتلاعن بعضهم، وتكافر بعضهم ما كان، ولم تكن الشيعة


(١) مصنف ابن أبي شيبة حديث (٣٧٠٩٩).
(٢) مسند أحمد حديث (١٠٧٨) وهو حسن لغيره.
(٣) مصنف ابن أبي شيبة حديث (٣٧٠٩٧).
(٤) مجموع الفتاوى ٤/ ٤٣٧.

<<  <   >  >>