للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لتوجيه الناس، ويزعم أن كل أحد مخير فيما يدين ويعتقد ويستدل بقوله تعالى: {فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} (١)، وقد غفل عن تأمله أول الآية، وكذلك لو تأمل آخرها لما وقع في هذه الطامة، ولفهم أنها للتهديد والوعيد لمن لم يؤمن، هذا هو الحق، وأن من كفر فهو ظالم وموعود بالنار قال تعالى: {وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ} ... أي قل يا محمد إن ما جئت به هو الحق من ربكم {فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا} (٢)، فالآية ليس فيها تخيير البتة بل وعيد شديد يا أولي الألباب.

[الركيزة الرابعة: الوحدة في المنهج]

جعل الله لهذه الأمة منهجا فريدا تلتقي عليه وحدتهم المصيرية في أمر الدين خاصة، وفي أمور الدنيا عامة، فقال عن كلامه المنزل على نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم -: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} (٣)، ولو حاول الراغب في التحريف فإنه يبوء بالفشل في الدنيا، والخسران في الآخرة، لأن القرآن الكريم مصون محفوظ من رب العزة والجلال، وها هو يطوي القرن الخامس عشر وهو محفوظ كما أقرأه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أصحابَه - رضي الله عنهم -، وقد خسيء كل من أراد النيل منه لفظا أو معنى، فإن الكثيرين من صغار المسلمين تحويه صدورهم فضلا عن كبارهم، كيف لا وهو المنهج الذي استقام عليه أمر الرعيل الأول في عهد النبوة، وعهد الخلافة الراشدة، إن هذه الركائز الثلاث هي التي تغلغلت في نفوس المؤمنين بالله ربا لا شريك له في العبادة، وبمحمد - صلى الله عليه وسلم - نبيا ورسولا إلى الناس كافة، لا شريك له في الاتباع، لأن الله تعالى أمرهم بالركيزة الأولى بوحدة الإيمان فقال: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ


(١) من الآية (٢٩) من سورة الكهف.
(٢) من الآية (٢٩) من سورة الكهف.
(٣) الآية (٩) من سورة الحجر.

<<  <   >  >>