للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لأنه لم يرق له - رضي الله عنه - أن يجد الأنصار في أنفسهم، ولاسيما أن لهم عند رسول الله من الفضل والمكانة ما ليس لغيرهم - رضي الله عنهم -، وقد أخذ بعضهم موقفا من بيعته، فتمنى مقولة من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يستند إليها في هذا الأمر، وذلك من تقواه وورعه - رضي الله عنه -.

[وفاة أبي بكر - رضي الله عنه -]

لم يرض رب العزة والجلال لعبده وخليفة رسوله إلا أن تختم حياته بسبب يجعله عند الله من الشهداء الأبرار، وإن كان قد شهد له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالجنة فقد سمّته اليهود في شيء من الطعام، وأكل معه الحارث بن كَلدَة فعمي، وكان السم لسنة، ومرض أبو بكر - رضي الله عنه - قبل وفاته بخمسة عشر يوماً، فقيل له: لو أرسلت إلى الطبيب، فقال: قد رآني، قالوا: فماذا قال لك؟ قال: قال: إني أفعل ما أشاء، قالت عائشة رضي الله عنها: كان أول ما بدأ أبو بكر - رضي الله عنه - أنه اغتسل يوم الاثنين لسبع خلون من جمادى الآخرة، وكان يوماً بارداً فحُم خمسة عشر يوماً لا يخرج إلى الصلاة، وكان يأمر عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - يصلي بالناس (١)، فتكون وفاته في يوم الثلاثاء الثاني والعشرين من جمادى الآخرة، من سنة ثلاث عشرة من الهجرة، على رأس ثنتي عشرة سنة وثلاثة أشهر واثنين وعشرين يوما من مهاجر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وسقط القمر الثاني في حجرة عائشة كما رأت وهو أبوبكر (٢)، ولما توفي - رضي الله عنه - ارتجت المدينة بالبكاء، ودهش الناس كيوم قبض النبي - صلى الله عليه وسلم -، فجاء علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - باكيا مسرعا، وهو يقول: اليوم انقطعت خلافة النبوة، حتى وقف على باب البيت الذي فيه أبو بكر - رضي الله عنه -، فقال: "رحمك الله أبا بكر، كنت إلف رسول الله، وأنسه ومستراحه، وموضعا لسره ومشاورته، وأول القوم إسلاما، وأخلصهم إيمانا، وأشدهم يقينا، وأخوفهم لله، وأعظمهم غنى في دين الله، وأحوطهم على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأحدبهم على الإسلام، وأيمنهم على أصحابه وأحسنهم صحبة، وأكثرهم مناقبا، وأكثرهم سوابقا، وأرفعهم درجة، وأقربهم وسيلة، وأقربهم من رسول الله - رضي الله عنه - مجلسا، وأشبههم به هديا وخلقا وسمتا وفعلا، وأشرفهم منزلة، وأكرمهم عليه، وأوثقهم عنده، فجزاك الله عن الإسلام خيرا، وعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -


(١) مروج الذهب ١/ ٢٩٠ والدرة الثمينة في أخبار المدينة ١/ ١٤٠.
(٢) موطأ مالك رواية أبي مصعب الزهري حديث (٩٧٤) ..

<<  <   >  >>