للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

اليمامة، فتنبه إلى خطورة عدم جمع القرآن وكتابته في مصحف يحفظ للأمة أمر دينها، وقد كانت هذه الإنجازات الإسلامية في مدة قصيرة لم تتجاوز أربعة وعشرين شهرا (١).

[أبو بكر عند احتضاره - رضي الله عنه -]

إن أبا بكر - رضي الله عنه - كغيره يصيب ويخطئ، لأنه غير معصوم، ونبينا محمد بن عبدالله - صلى الله عليه وسلم - هو الوحيد من البشر المعصوم الذي لا يرد له قول، فكان أبو بكر - رضي الله عنه - كغيره من الناس يجتهد فيصيب وله أجران، ويجتهد فيخطئ وله أجر الاجتهاد، وخطؤه مغفور، لأنه لم يرد سوى الحق، وإقامة العدل، ولم يُخْف أبو بكر - رضي الله عنه -، ما فكر فيه وتمنى الإقدام عليه أو الإحجام عنه، وهذا من الحرص على الخير، والتحرز من الشر، وكفى المرءَ نبلا أن تعد معايبه، ولا عيب والله نشهد به على أبي بكر - رضي الله عنه -، أكرم الأصحاب، وأحب الأحباب إلى رسول رب الأرباب، فخسئ والله من ثلبه وخاب.

قال - رضي الله عنه -: "ما آسَى على شيء إلا على ثلاث فعلتها، ووددت أني تركتها، وثلاث تركتها ووددت أني فعلتها، وثلاث وددت إني سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عنها: فأما الثلاث التي فعلتها، ووددت أني تركتها: فوددت أني لم أكن فتشت بيت فاطمة، ووددت أني لم أكن حرّقت الفُجَاءة وأطلقته نجيحاً، أو قتلته صريحاً، وددت أني يوم سقيفة بني ساعدة قَذَفْتُ الأمر في عنق أحد الرجلين، فكان أميراً وكنت وزيراً.

والثلاث التي تركتها وددت أني فعلتها: وددت أني يوم أُتيت بالأشعث بن قيس أسيراً ضربت عنقه، فإنه قد خُيل لي أنه لا يرى شَرّاً إلا أعانه، وددت أني كنت قد قذفت المشرق بعمر بن الخطاب، فكنت قد بسطت يميني وشمالي في سبيل الله، وددت أني يوم جهَزْت جيش الردة ورجعت أقمت مكاني فإن سلم المسلمون سلموا، وإن كان غير ذلك كنت صدر اللقاء أو مَدَداً.

وكان أبو بكر - رضي الله عنه - قد بلغ مع الجيش إلى مرحلة من المدينة، وهو الموضع المعروف بذي القصة (٢).


(١) انظر (البداية والنهاية ٦/ ٣٧١، ٣٧٢، ٤١٩، ٤٢٤ - ٤٢٥).
(٢) بقعاء ذي القصة على بعد أربعة وعشرين ميلا عن المدينة (تاج العروس ١/ ٥١١١).

<<  <   >  >>