للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فتجول في الأمصار، ولم يسلم من شره بادئ ذي بدء إلا المدينة، كان نشاطه في مصر، والبصرة والكوفة، وتجول في الأعراب، وكان الكذب والتزوير مطيته للوصول إلى قلوب الناس، والتأثير عليهم بحب آل البيت، ونصرة علي بن أبي طالب الخليفة الراشد - رضي الله عنه -، وزعم أن عثمان - رضي الله عنه - لا حق له في الخلافة، فاجتمع له عدد من الناس، أشعل بهم الفتنة، فاتّهم ولاة عثمان على الأمصار بكتب مزورة يرسلها من مصرٍ إلى مصرٍ، استفسد بها الكثيرين من الناس، وتعاونوا على الإثم والعدوان، حتى استمالوا بعض من بعثه عثمان لمعرفة حقيقة الأمر، ونتج عن جهود ابن السوداء المعروف بعبدالله بن سبأ انشقاق فرقتين من المسلمين، فرقة أخذت برأيه في عثمان - رضي الله عنه - وهم الخوارج، والفرقة الثانية أخذت برأيه في الرجعة والوصية وهم الرافضة.

[فتنة الخلاف]

لا نشك في أن أتباع المصطفى - صلى الله عليه وسلم - على درجات متفاوتة في فهم الإسلام وتطبيقه، منذ عهد الصحابة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، ونعلم أن الأفهام تختلف، ويقبل منها في أحيان، لكنها مقيدة بعدم مصادمة الإسلام، ونريد بالإسلام ما قام البرهان عليه من الكتاب العزيز، وصحيح السنة النبوية، وما أجمع عليه علماء الأمة، وقد تعددت الأفهام من أصحاب رسول الله، فالإنفاق في سبيل الله مثلا: فهم منه أبو بكر - رضي الله عنه - أنه دفع المال كاملا، وفهم عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أنه نصف المال، وفهم أبو ذر - رضي الله عنه - أن ما يزيد عن القوت اليومي يجب إنفاقه، هذا اجتهاد من كل منهم - رضي الله عنهم -، والدافع إليه حب الخير والتنافس في نصرة الإسلام، والمستند في هذا عموم قول الله تعالى: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} (١)، فالمسارعة في العبادات البدنية والمالية، وما هو مشترك بينهما كالحج والعمرة مطلوب بعموم هذه الآية الكريمة، وقوله تعالى: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ} (٢)، وهذا حث على إنفاق ما هو نفيس في طاعة الله، لأن الردي لا ينبغي التقرب به إلى الله مع


(١) الآية (١٣٣) من سورة آل عمران.
(٢) الآية (٩٢) من سورة آل عمران.

<<  <   >  >>