للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[الركيزة الثالثة: الوحدة في المتبوع]

المتبوع الذي خاطب الله به البشر جميعا وأمرهم أن يؤمنوا به هو نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - لذلك أمر - صلى الله عليه وسلم - بقتال من لم ينطق بالشهادتين: شطرها الأول لوحدة المعبود، وشطرها الثاني لوحدة المتبوع - صلى الله عليه وسلم - لأنه خاتم الأنبياء والمرسلين، وقد احتفظ الإسلام بفضل الأنبياء وحافظ على مكانتهم في نفوس الناس، وجعل الإيمان بهم وبما جاؤوا به ركنا من أركان الإيمان، ولكن كانت إرادة الله - عز وجل - فيما مضى أن يبعث في كل أمة رسولا، وكان ذلك، وكانت دعوتهم إلى توحيد الله، قال تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} (١)، فلما وقع التحريف والتبديل فيما جاؤوا به، كانت رحمة الله لمن بعدهم أن لا يعذبهم بما اقترف غيرهم من تحريف الكتب المنزلة ولاسيما على موسى وعيسى عليهما السلام، فوعد تعالى بعدم العذاب فقال: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} (٢)، وإن كان هذا عاما في الأمم فهو يتناول أمة محمد - صلى الله عليه وسلم -، هذا من جانب، ومن جانب آخر اقتضت إرادة الله - عز وجل - أن يكون المبعوث رحمة للعالمين كافة وبشرع موحَّد، جعل فيه من اليسر والتخفيف مالم يكن فيما سبقه من الأديان، بيّن ذلك تعالى بقوله: {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ} (٣)، وهذا يشمل التخفيف عن بني إسرائيل بنبوة عيسى - عليه السلام -، وعن أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - بنبوته، وأمرهم بوحدة الاتباع فلا يجوز لبشر على وجه الأرض يسمع بنبوة محمد - صلى الله عليه وسلم - ولا يُقبل عليها ويتبين أمرها ليعلم الحق من الباطل، وقد قال - صلى الله عليه وسلم - لعمر - رضي الله عنه - ورآه ينظر في التوراة: «لقد جئتكم بها بيضاء نقية، ولو كان موسى حيا ما وسعه إلا اتباعي» (٤)، فتوحد المؤمنون على اتباع محمد - صلى الله عليه وسلم -، ولم يخرجوا عن ذلك قيد أنملة، وهم الرعيل الأول من المؤمنين - رضي الله عنهم -، وقد عجبت ممن يتصدر


(١) من الآية (٣٦) من سورة النحل.
(٢) من الآية (١٥) من سورة الإسراء.
(٣) من الآية (١٥٧) من سورة الأعراف ..
(٤) شعب الإيمان للبيهقي حديث (١٧٦).

<<  <   >  >>