للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} (١)، فلم يأمر بالقتال ابتداء مع واحدة من الطائفتين، لكن أمر بالإصلاح وبقتال الباغية، وإن قيل: " الباغية يعم الابتداء والبغي بعد الاقتتال، قيل: فليس في الآية أمر لأحدهما بأن تقاتل الأخرى، وإنما هو أمر لسائر المؤمنين بقتال الباغية، والكلام هنا: إنما هو في أن فعل القتال من علي لم يكن مأمورا به، بل كان تركه أفضل، وأما إذا قاتل لكون القتال جائزا وإن كان تركه أفضل، أو لكونه مجتهدا فيه وليس بجائز في الباطن: فهنا الكلام في وجوب القتال معه للطائفة الباغية، أو الإمساك عن القتال في الفتنة، وهو موضع تعارض الأدلة، واجتهاد العلماء والمجاهدين من المؤمنين بعد الجزم بأنه وشيعته أولى الطائفتين بالحق، فيمكن وجهان: أحدهما: أن الأمر بقتال الطائفة الباغية مشروط بالقدرة والإمكان، إذ ليس قتالهم بأولى من قتال المشركين والكفار، ومعلوم أن ذلك مشروط بالقدرة والإمكان، فقد تكون المصلحة المشروعة أحيانا هي التآلف بالمال والمسالمة والمعاهدة، كما فعله النبي - صلى الله عليه وسلم - غير مرة، والإمام إذا اعتقد وجود القدرة ولم تكن حاصلة كان الترك في نفس الأمر أصلح (٢).

[موقف علي - رضي الله عنه - من الخلفاء قبله - رضي الله عنهم -]

[موقفه من أبي بكر]

روى علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - قال: قام أبو بكر بعدما استخلف بثلاث، فقال: من يَستَقيلُني بيعتي فأقيله؟ ، فقلت: والله لا نقيلك، ولا نستقيلك، من ذا الذي يؤخرك وقد قدمك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (٣)، هذا كلام علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - الحكم العدل في خلافة أبي بكر، ولذلك مما قال: ... فمشيتُ عند ذلك إلى أبي بكر فبايعته، ونهضتُ في تلك الأحداث - حروب الردة - حتى زاغ الباطل وزهق، وكانت كلمة الله هي العليا


(١) الآية (٩) من سورة الحجرات.
(٢) مجموع الفتاوى ٤/ ٤٣٦ - ٤٤٢، نقلناه لنفاسته في الموضوع.
(٣) السنة لأبي بكر الخلال حديث (٣٧٢) وفضائل أبي بكر للعشاري حديث (٢٠).

<<  <   >  >>