لهم، وأن يكون قلبي لهم سليما، ومأمور بمحبتهم وموالاتهم، ولهم من السوابق والفضائل ما لا يهدر، ولكن اعتقاد خلافته وإمامته ثابت بالنص، وما ثبت بالنص وجب اتباعه، وإن كان بعض الأكابر تركه، كما أن إمامة عثمان وخلافته ثابتة إلى حين انقراض أيامه، وإن كان في تخلف بعضهم عن طاعته أو نصرته، وفي مخالفة بعضهم له من التأويل ما فيه، إذ كان أهون مما جرى في خلافة علي.
وهذا الموضع هو الذي تنازع فيه اجتهاد السلف والخلف: فمن قوم يقولون بوجوب القتال مع علي كما فعله من قاتل معه، وكما يقول كثير من أهل الكلام والرأي الذين صنفوا في قتال أهل البغي، حيث أوجبوا القتال معه، لوجوب طاعته ووجوب قتال البغاة، ومبدأ ترتيب ذلك من فقهاء الكوفة واتبعهم آخرون.
ومن قوم يقولون: بل المشروع ترك القتال في الفتنة، كما جاءت به النصوص الكثيرة المشهورة، كما فعله من فعله من القاعدين عن القتال، لإخبار النبي - صلى الله عليه وسلم - أن ترك القتال في الفتنة خير وأن الفرار من الفتن باتخاذ غنم في رؤوس الجبال خير من القتال فيها، وكنهيه لمن نهاه عن القتال فيها، وأمره باتخاذ سيف من خشب، ولكون علي لم يذم القاعدين عن القتال معه، بل ربما غبطهم في آخر الأمر.
ولأجل هذه النصوص لا يختلف أصحابنا أن ترك علي القتال كان أفضل، لأن النصوص صرحت بأن القاعد فيها خير من القائم، والبعد عنها خير من الوقوع فيها، قالوا: ورجحان العمل يظهر برجحان عاقبته، ومن المعلوم أنهم إذا لم يبدؤوه بقتال، فلو لم يقاتلهم لم يقع أكثر مما ووقع من خروجهم عن طاعته، لكن بالقتال زاد البلاء، وسفكت الدماء، وتنافرت القلوب، وخرجت عليه الخوارج، وحكم الحكمان، حتى سمي منازعه بأمير المؤمنين، فظهر من المفاسد ما لم يكن قبل القتال، ولم يحصل به مصلحة راجحة.
وهذا دليل على أن تركه كان أفضل من فعله، فإن فضائل الأعمال إنما هي بنتائجها وعواقبها، والقرآن إنما فيه قتال الطائفة الباغية بعد الاقتتال، فإنه قال تعالى: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا