للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

سالمين فثبت من كان يفكر في الردة على الإسلام (١)، أقام أسامة - رضي الله عنه - بجيشة منذ خرج إلى أن قدم المدينة منصرفا كما قيل: سبعين يوما، أو ستين يوماً، أو أربعين يوماً، ثم دخل المدينة ولواؤه معقود، حتى دخل المسجد، فصلى، ثم دخل إلى بيته ولواؤه الذي عقده رسول الله - صلى الله عليه وسلم - معه (٢)، وكان من بركة عمل أبي بكر هذا الوفاء بما عزم عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وما أحست به أحياء العرب من منعة الإسلام وأهله، وعلم المسلمون بُعد نظر خليفة رسول الله، وصدق عمر بن الخطاب إذ قال: «لو وزن إيمان أبي بكر بإيمان أهل الأرض لرجح بهم» (٣).

[حروب الردة]

لقد كان موقف أبي بكر - رضي الله عنه - من ردة العرب إلهاما عظيما من الله تعالى، وهو من حفظه تعالى لدين الإسلام، وكان فتحا عظيما، فقد ارتدت العرب إلا أهل المسجدين وَمَنْ بينهما، وأُناساً من العرب؛ منهم: عدي بن حاتم - رضي الله عنه -، قدم بإبل الصدقة إلى أبي بكر - رضي الله عنه -، ففي ذلك يقول الحارث بن مالك الطائي:

وَفَيْنَا وفاء لم يَرَ النَّاس مثله ... وَسَرْبَلَنَا مجداً عديُّ بن حاتم (٤).

قال زياد بن سبرة اليعمري - رضي الله عنه -: أقبلت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى وقف على ناس من أشجع وجهينة، فمازحهم وضحك معهم، فوجدت في نفسي، فقلت: يا رسول الله، تضاحك أشجع وجهينة؟ فغضب ورفع يديه فضرب بهما منكبي، ثم قال: «أما إنهم خير من بني فزارة، وخير من بني الشريد، وخير من قومك، أولاء استغفروا الله» (٥)، فلما كان الردة لم يبق من أولئك الذين خَيَّر عليهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أحد إلا ارتد، وجعلت أتوقع ردة قومي، فأتيت عمر - رضي الله عنه -، فأخبرته، فقال: لا تخافن،


(١) مختصر تاريخ دمشق (٤/ ٢٩١) بتصرف.
(٢) تاريخ اليعقوبي (١/ ١٥٥).
(٣) الإبانة الكبرى لابن بطة (٣/ ١٨٣).
(٤) مروج الذهب ١/ ٢٩٠.
(٥) الآحاد والمثاني حديث (٢٧١٣).

<<  <   >  >>