للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

اقتدى بصاحبه - صلى الله عليه وسلم - في الهدى، والعدل، والأمانة، والزهد في الدنيا، والإخلاص لله - عز وجل - ورسوله - صلى الله عليه وسلم -، وحماية الوحدة الإسلامية.

[موقف أبي بكر - رضي الله عنه - من استخلافه]

تقدم بيان أن أبا بكر - رضي الله عنه - لم يحرص على شيء حرصه على وحدة الأمة المحمدية، وقد بين للناس ما رآه الأسلم لبقاء الأمر على ما كان عليه في حياة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، اعترف بفضل الأنصار - رضي الله عنهم -، وذكر لهم مكانة قريش بين قبائل العرب، ورشح للخلافة أحد رجلين: عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - ولم يفضُله أحد، ويعلمون جميعا من هو عمر، إنه الرجل الذي أعز الله به الإسلام، - رضي الله عنه -، والآخر أبو عبيدة أمين الأمة - رضي الله عنه -، مكانته معروفة عند المهاجرين والأنصار - رضي الله عنهم -، ولم يدعُ أبو بكر إلى نفسه لا من قريب ولا من بعيد، بل لمَّا حصل له ما حصل من البيعة، قال بعد ثلاث: «من يَستَقيلُني بيعتي فأقيله؟ » (١)، فلما أيقن ألا مفر له من إرادة الله - عز وجل -، ثم بيعة الصحابة له، علم أنه كُلِّف أمر الأمة المحمدية، ولما تقرر أن يحمل الأمانة صعد المنبر، فجلس دون مجلس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمرقاة، ثم حمد الله وأثنى عليه وقال: "إني وليت عليكم ولست بخيركم، فإن استقمت فاتبعوني، وإن زغت فقوموني! ، لا أقول: إني أفضلكم فضلا، ولكني أفضلكم حملاً، وأثنى على الأنصار خيراً وقال: إنا وإياكم، معشر الأنصار كما قال القائل:

جزى الله عنا جعفرا حين أزلقت ... بنا نعلنا في الواطئين فزلت

أبو أن يملونا ولو أن أمنا ... تلاقي الذي يلقون منا لملت" (٢).

وأعرف الناس بالرجل أهل بيته، تقول أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: "تُوِّفي رسولُ الله، فو الله لو نزل بالجبال الراسيات ما نزل بأبي لهاضَها، إشرأب النفاق بالمدينة، وارتدت العربُ، فو الله ما اختلفوا في نقطة إلا طار أبي بحظها وغَنَائها في الإسلام" (٣)، لقوة حجته، واستناده إلى علمه بالكتاب والسنة، وثقته بربه، فما طلب سوى وحدة الأمة المحمدية على الكتاب والسنة، وعزة الإسلام المطلقة،


(١) مختصر تاريخ دمشق (٤/ ٢٩١).
(٢) تاريخ اليعقوبي (١/ ١٥٥).
(٣) عيون الأخبار (١/ ٢٥٣).

<<  <   >  >>