للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[عمر بين الحياة والموت]

حج عمر - رضي الله عنه - بالناس عشر سنين متوالية، ثم صدر إلى المدينة، ليتلقى طعنة من يد آثمة ملعونة، لقد كان الحدث فاجعة كبرى، خاف المسلمون أن يسترد ملوك الفرس والروم قوتهم بفقد المؤمنين أميرهم، فاجتمعوا في خلوة عن عمر - رضي الله عنه -، وفكروا في الأمر، وحداهم الأمل أن يستخلف عليهم.

فعادوا وقالوا له: "أوصنا يا أمير المؤمنين، قال: أوصيكم بالقرآن فتمسكوا به، فبه هدى اللهُ نبيّكم وهداكم من بعده، وفيه نجاتكم.

قالوا: أوصنا، قال: أوصيكم بالمهاجرين والانصار وذكر فضلهم.

قالوا: أوصنا، قال: أوصيكم بالعرب فإنهم مادة الاسلام.

قالوا: أوصنا، قال: اوصيكم بذمتكم فإنهم ذمة نبيكم وقوت عيالكم (١).

قالوا: أوصنا، قال: قوموا عني وإلا قمت عنكم. فلما رآه أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يذكر أحدا للخلافة، ابتدأ ابن عباس - رضي الله عنه - يسأله الاستخلاف، وافتتح الكلام، فقال عمر - رضي الله عنه -: "قد توليتها حياتي، واجتهدت لكم رأيي، ونصحت لكم جهدي، ومنعت نفسي وأهلي، وأرجو أن أنجو منها كَفافا لا عليّ ولا لي"، فأَثْنَوا، وابتدأ علي - رضي الله عنه - يبشره عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالجنة، وقال له: وأشار الى ابن عباس يشهد على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمثل ما شهدتُ، وسأله غيرهما الاستخلاف، فقال: "ما أحب أن أتحملها حيا وميتا"، قالوا: بل تفعل، ولك في ذلك الأجر، انظر يا أمير المؤمنين لأمة محمد - صلى الله عليه وسلم -، فقال: دلوني على من أستخلف، فقال له المغيرة: أنا أدلك عليه: عبد الله بن عمر، فقال له عمر: والله ما أردت بذلك الله، فقال له ابن عباس: يا أمير المؤمنين، وما يمنعك من إخوانك، وأشار إلى عليّ، وعثمان، وعبد الرحمن، وتلك الجماعة - رضي الله عنهم -، فقال عمر: إن أستخلف فقد استخلف من هو خير مني - يعني أبابكر - رضي الله عنه - - وإن أترك فقد ترك من هو خير مني - يعني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - - ثم قال: هي في واحد من هؤلاء الستة: الذين شهد لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالجنة، وقبض وهو عنهم راض: علي، وعثمان ابنا عبد مناف، وسعد وعبد الرحمن خالا رسول


(١) يريد أهل الذمة من اليهود والنصارى، الذين آثروا دفع الجزية على الدخول في الإسلام، والمراد بقوت العيال ما يؤخذ من الجزية مقابل الرعاية والحماية.

<<  <   >  >>