للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

هذه الأمنية أراد بها التوكيد على عدم رغبته في ولاية الناس، لكن الله أراد ذلك لأبي بكر - رضي الله عنه - ليناله من أجر الصبر على بلائها، وأجر الاجتهاد في مصالح المسلمين، وأجر مقارعة أعداء الدين، والحفظ على وحدة الأمة المحمدية، يناله أجر ذلك كله، فضلا من الله ورحمة، وهداية منه تعالى إلى سبل الخير والرشاد، قال تعالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} (١).

وقد ورد ما يشير إلى أن أبا بكر هو المقدم لحمل هذه المهمة العظمى، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعائشة أم المؤمنين رضي الله عنها: «أدعي لي أبا بكر، وأخاك حتى أكتب كتابا؛ فإني أخاف أن يتمنى متمن، ويقول قائل: أنا أولى، ويأبا الله والمؤمنون إلا أبا بكر» (٢)، وفي رواية قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعبد الرحمن بن أبي بكر: «إئتني بكتف أو لوح حتى أكتب لأبي بكر كتابا؛ لا يختلف عليه» فلما ذهب عبد الرحمن ليقوم قال: «أبا الله والمؤمنون إلا أبا بكر» (٣)، صدق من لا ينطق عن الهوى - صلى الله عليه وسلم -، وإنما نزاهة أبي بكر وحرصه على نفع الناس، واستقرار الوضع بحسم الموقف بأمر من الله ورسوله، لعبد من عباده كائنا من كان، فلا يُنازَع الأمر أهله، وكانت هذه الأمنية من أبي بكر - رضي الله عنه - حرصا على وحدة الأمة المحمدية، ومستقبل الإسلام، وكان ذلك بفضل الله في ولايته، التي أبا الله والمؤمنون أن يُختلف عليها.

وقوله: "وددت أني سألته عن ميراث العمة وبنت الأخ".

هذا من اجتهاده في مصالح المسلمين، فالعمة وبنت الأخ، لا إرث لهما، مع إخوتهما، ولا ترثان منفردتين (٤)، فأراد أن ينظر في أمرهما بما لا يعارض الشرع، وقد كان عمر يقول: عجبا للعمة تورث ولا ترث (٥)، وهذا ما كان في نفس أبي بكر - رضي الله عنه -.

وقوله: "ووددت أني سألته هل للأنصار في هذا الأمر نصيب".


(١) الآية (٦٩) من سورة العنكبوت.
(٢) أخرجه مسلم حديث (٦٣٣٢).
(٣) أخرجه أحمد المسند (٢٤٩٣١).
(٤) الشرح الكبير (٧/ ١٠٠).
(٥) السنن الكبير للبيهقي (٦/ ٢١٣).

<<  <   >  >>