للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كفر الأشعث، فلما فرغ طرح سيفه، وقال: إني والله ما كفرت، ولكن زوجني هذا الرجل أخته، ولو كنا ببلادنا لكانت لنا وليمة غير هذه، يا أهل المدينة، انحروا وكلوا، ويا أصحاب الإبل، تعالوا خذوا أثمانها فما رئي وليمة مثلها (١)، وقد عمل أبو بكر - رضي الله عنه - بالأصل أن من تاب يتوب الله عليه، ولعله تأمل الأمر فوجد ما ذكر علة لما قال، قال - رضي الله عنه -: فإنه قد خُيل لي أنه لا يرى شَرّاً إلا أعانه، ولكن الله أراد لهما خيرا مما أراد أبو بكر - رضي الله عنه -، فقد صنع خيرا بقبول توبة الأشعث، وأحسن بتزويجه أخته، وكان الخير في حسن إسلام الأشعث بعد ردته، وشارك في الفتح الإسلامي، شهد الأشعث اليرموك بالشام، ففقئت عينه، ثم سار إلى العراق فشهد القادسية والمدائن، وجلولاء، ونهاوند، وسكن الكوفة وابتنى بها داراً، وشهد صفين مع علي - رضي الله عنه -، وكان ممن ألزم علياً بالتحكيم، وشهد الحكمين بدومة الجندل، وكان عثمان - رضي الله عنه -، قد استعمله على أذربيجان، وكان الحسن بن علي رضي الله عنهما تزوج ابنته (٢)، وكل هذا حدث بعد وفاة أبي بكر - رضي الله عنه -، ولو شاهد هذا لسر - رضي الله عنه -، بعدم قتله: فقد تحقق لأبي بكر بعد موته ما نوى من الخير.

وقوله: "وددت أني يوم جهَزْت جيش الردة".

هذا من حرصه - رضي الله عنه - على إحدى الحسنيين: النصر أو الشهادة، يريد مشاركة الأمة في كل صغيرة وكبيرة من أمور الإسلام، كيف لا وهو السابق لكل خير وفضيلة، شهد بذلك أصحاب رسول الله دون استثناء، وكان في بقائه خير كثير للأمة المحمدية، وقد أصاب والله علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - حين قال له وهو يثنيه عن الخروج: «أشمر سيفك، ولا تفجعنا بنفسك، فو الله لئن أُصِبنا بك لا يكون للإسلام بعدك نظام أبدا» (٣)، وكان أبو بكر - رضي الله عنه - قد بلغ مع الجيش إلى مرحلة من المدينة، وهو الموضع المعروف بذي القصة (٤).

وقوله: "وددت أني كنت سألته في مَنْ هذا الأمر".


(١) أسد الغابة (١/ ١٦).
(٢) أسد الغابة (١/ ١٦).
(٣) مختصر تاريخ دمشق (٤/ ٢٩١).
(٤) بقعاء ذي القصة على بعد أربعة وعشرين ميلا عن المدينة (تاج العروس ١/ ٥١١١).

<<  <   >  >>