للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أنت هو، قال: من أنا؟ قالوا: أنت هو، قال: ويلكم من أنا؟ قالوا: أنت ربنا، أنت ربنا، قال ارجعوا فأبوا، فضرب أعناقهم، ثم خد لهم في الأرض ثم قال: يا قنبر ائتني بحزم الحطب، فأحرقهم بالنار ثم قال:

لما رأيت الأمر أمرا منكرا ... أوقدت ناري ودعوت قنبرا (١).

قال ابن عباس رضي الله عنهما: لو كنت أنا لم أحرقهم بالنار، إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا تعذبوا بعذاب الله» (٢)، ولقتلتهم، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: «من بدل دينه فاقتلوه» (٣)، فبلغ ذلك علياً فقال: ويح ابن أم الفضل، إنه لغواص على الهنات (٤)، ولذلك ندم أبو بكر - رضي الله عنه -، ولا ضير عليهما فالزنادقة مصيرهم النار، إن عاجلا أو آجلا، ولكن لشدة تمسكهما بالكتاب والسنة حصل منهما التأثم، وجزاهما الله عن الإسلام وأهله خير الجزاء.

أما قول أبي بكر: "وددت أني يوم سقيفة بني ساعدة قَذَفْتُ الأمر".

فقد حاول أن يلقي بالأمر على كاهل أحد الرجلين: عمر بن الخطاب، وأبي عبيدة عامر بن الجراح، رضي الله عنهما، وهما أهل لذلك، ولكن أراد أبو بكر أمرا، وأراد الله غيره، ولا راد لإرادته تعالى: {فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ} (٥) وإنما حكى أبو بكر ما يتمناه في ذلك الحين، وهذه أمنية مَن تجرد عن الهوى والشهوات، فزكا وجلَّ عن الشبهات.

وقوله: "وددت أني يوم أتيت بالأشعث بن قيس أسيراً ضربت عنقه".

كان الأشعث بن قيس ممن ارتد بعد النبي - صلى الله عليه وسلم -، فسير أبو بكر الجنود إلى اليمن، فأخذوا الأشعث أسيراً، فأحضر بين يديه، فقال له: استبقني لحربك وزوجني أختك، فأطلقه أبو بكر وزوجه أخته، وهي أم محمد بن الأشعث، ولما تزوجها اخترط سيفه، ودخل سوق الإبل فجعل لا يرى جملاً ولا ناقة إلا عرقه، وصاح الناس:


(١) تاريخ دمشق (٤٢/ ٤٧٥).
(٢) أخرجه البخاري حديث (٣٠١٧، وطرفه: ٦٩٢٢).
(٣) أخرجه البخاري حديث (٣٠١٧، وطرفه: ٦٩٢٢).
(٤) تاريخ الإسلام (٢/ ٩٤).
(٥) الآية (١٦) من سورة البروج.

<<  <   >  >>