للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقيل لي: إن ملكك إلى حيث زوي لك» (١)، والمراد ملك الأمة، فهو نبي وليس ملكا، وتنبأ به هرقل في حواره مع أبي سفيان حول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ومساءلته لأبي سفيان، ولم يكن أبو سفيان مسلما في ذلك الوقت، وبعد سماع هرقل لإجابة أبي سفيان على كل سؤال سأله قال: "فإن كان ما تقول حقا فسيملك موضع قدميَّ هاتين، وقد كنت أعلم أنه خارج، لم أكن أظن أنه منكم، فلو أني أعلم أني أخلص إليه، لتجشمت لقاءه، ولو كنت عنده لغسلت عن قدمه"، وملكت ذلك الأمة بعد موته - صلى الله عليه وسلم - في عهد عمر - رضي الله عنه -، وفي حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه -: حدثتني أم حرام بنت ملحان: "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال (٢)، في بيتها يوما، فاستيقظ وهو يضحك، فقلت: يا رسول الله، ما أضحكك؟ ، قال: «رأيت قوما من أمتي يركبون ظهر هذا البحر، كالملوك على الأسرة» قلت: يا رسول الله، ادع الله أن يجعلني منهم، قال: أنت منهم، ثم نام أيضا فاستيقظ وهو يضحك، فقلت: يا رسول الله، ما أضحكك؟ ، قال: «رأيت قوما من أمتي يركبون ظهر هذا البحر، كالملوك على الأسرة» قلت: يا رسول الله، ادع الله أن يجعلني منهم، قال: «أنت من الأولين» قال: فتزوجها عبادة بن الصامت، فغزا في البحر فحملها معه، فلما قدموا قُرِّبت لها بغلة لتركبها، فصرعتها فدقت عنقها فماتت" (٣)، وقد تحقق ذلك كله، لأمة محمد - صلى الله عليه وسلم -، حين صدقوا ما عاهدوا الله عليه، وقد كانت كتبه - صلى الله عليه وسلم - إلى الآفاق بدايةَ اتساع ديار الإسلام، ودعوةَ الناس كافة للدخول في دين الله - عز وجل -، وكان ركوب البحر في عهد معاوية - رضي الله عنه -، وقد كان الناس قبل بعثة نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - أمما في معتقداتهم، وعاداتهم ومناهج حياتهم، جَعلت العاداتُ لكل منهم شرعة ومنهاجا، منهم من كان على جهل ببقايا ما جاءت به الرسل، ومنهم من اتخذ له إلها كما يهوى ويحب، وكان من العرب من بقي يتأمل شيئا من دين إبراهيم - عليه السلام -، وغالبهم يعبدون الأوثان، وهكذا غيرهم من المجوس والذين أشركوا، وليس بخاف على أحد دين اليهود والنصارى وما أوقعوا فيه من تحريف وضلال، فكان مبعث نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - رحمة مهداة لهذه


(١) أخرجه ابن ماجة حديث (٣٩٥٢).
(٢) من القيلولة، وهو النوم في وسط النهار.
(٣) أخرجه البخاري حديث (٢٧٨٨) ومسلم حديث (١٩١٢) ..

<<  <   >  >>