للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وإياه الإسلام، فما تفضله إلا بالعافية، فسأل جبلة التأخير إلى الغد فلما كان من الليل ركب مع بني عمه ولحق بالشام مرتداً، وروي أنه ندم على ما فعله وأنشد (١):

تنصرت بعد الحق عارا للطمة ... ولم يك فيها لو صبرت لها ضرر

فأدركني منها لجاج حمية ... فبعت لها العين الصحيحة بالعور

فياليت أمي لم تلدني وليتني ... صبرت على القول الذي قاله عمر

لم نسمع بمدع للنبوة في عهد الفاروق عمر - رضي الله عنه - والذي يظهر أن الإسلام بعد حروب الردة وقر في قلوب الناس، ولسطوة عمر وقوته دور في تثبيت الحق، فقد كان سيفا للحق مصلتا على رقاب الزنادقة، وكم كان يقول لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "دعني اضرب عنقه فإنه منافق" وهو الرجل الذي استجاب الله دعوة نبيه فيه حين قال - صلى الله عليه وسلم -: «اللهم أعز الإسلام بأحب الرجلين إليك: عمر بن الخطاب أو عمرو بن هشام» (٢)، فكان عمر - رضي الله عنه - هو عز الإسلام، وكان أبو جهل عدو الإسلام، وهو ابن عم أم عمر بن الخطاب، وكذلك خالد بن الوليد رضي الله عنهما.

لم يكن عمر جبارا بل باحثا عن العدل، مناصرا للحق، وقافا عنده لا يعدوه إلى غيره، ولما كثر المسلمون في عهد عمر - رضي الله عنه - ضاق بهم المسجد، فاشترى عمر ما حول المسجد من الدور، إلا دار العباس بن عبد المطلب - رضي الله عنه -، وحجر أمهات المؤمنين رضي الله عنهن، فقال عمر للعباس: "يا أبا الفضل إن مسجد المسلمين قد ضاق بهم، وقد ابتعت ما حوله من المنازل، نوسع به على المسلمين في مسجدهم إلا دارك وحجر أمهات المؤمنين، فأما حجر أمهات المؤمنين فلا سبيل إليها، وأما دارك فبعنيها بما شئت من بيت مال المسلمين أوسع بها في مسجدهم، فقال العباس: ما كنت لأفعل، قال فقال له عمر: اختر مني إحدى ثلاث: إما أن تبيعنيها بما شئت من بيت مال المسلمين، وإما أن أخططك حيث شئت من المدينة وابنيها لك من بيت مال المسلمين، وإما أن تصدق بها على المسلمين فنوسع بها في مسجدهم، فقال: لا ولا واحدة منها، فقال عمر: اجعل بيني وبينك من شئت، فقال: أبي بن كعب"، فانطلقا إلى أبي فقصا عليه القصة فقال أبي: "إن شئتما حدثتكما


(١) تفسير الألوسي ٥/ ٢١.
(٢) الطبقات لابن سعد ٣/ ٢٤٢.

<<  <   >  >>