للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

سموكم .. ولكن الله سماكم به" (١)، لأنهم رفضوا ما كان عليه الخلفاء الراشدون من الهدي النبوي، ورغبوا في فكر يناوئ ذلك فجاؤوا بفكر سقيم يؤصّل لتلك الرغبة، ويرسم لها مستقبل الإسلام الذي يريدون، ولم تكن فرقة الخوارج أحسن حالا من سابقتها، شذت عن لواء أمير المؤمنين علي - رضي الله عنه -، زاعمة أنه حكّم غير كتاب الله، فقالوا: لا حكم إلا لله، وقد فطن علي - رضي الله عنه - للأمر فقال: "كلمة حق أريد بها باطل" فكما اتخذ الرافضة الغلو في حب آل البيت ذريعة لنشر الزور في العامة، ونقض وحدة الاعتقاد، اتخذ الخوارج قضية التحكيم لمعاداة علي والخروج عليه وتكفيره، تحت شعار لا حكم إلا لله، فاستحلوا بعد ذلك دماء المسلمين، وأموالهم وأعراضهم، وجاءت الصوفية بفرية الكشف، وتعيين الأقطاب، وزعم التصرف في الكون، وجلب المنافع، ودفع المضار، بعد أن كانت بدايتها مجرد الزهد في الدنيا وشهواتها، فتغاير المسلمون في مجالات فكرية وسياسية مزّقتهم، حتى أصبحوا شيعا وأحزابا، وتحقق ما أخبر به المصطفى - صلى الله عليه وسلم -، من افتراق هذه الأمة إلى ثلاث وسبعين فرقة، كلها في النار، إلا واحدة في الجنة، هذا معاوية بن أبي سفيان - رضي الله عنه - يقول: "إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قام فينا فقال: «ألا إن من كان قبلكم من أهل الكتاب افترقوا على ثنتين وسبعين فرقة، وإن هذه الأمة ستفترق على ثلاث وسبعين: اثنتان وسبعون في النار، وواحدة في الجنة» (٢)، وفي نظري والله أعلم أنه لا مفهوم للعدد هنا، وذلك كقوله تعالى: {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} (٣)، وإنما أريد به تكثير عدد الفرق في الأمة الإسلامية، وهو كذلك، فلو أجرينا إحصاءً للفرق الإسلامية اليوم لوجدناها بالمئات، إذا راعينا فلسفة كل فرقة، أو جماعة وممارساتها لتلك الفلسفة، وليس الحق إلا مع واحدة، وهي المتمسكة بما كان عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ويؤيد أن تلك الفرق في النار قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيما


(١) الكافي (٥/ ٣٤) وهذا من مصادر الشيعة الموثوقة عندهم ..
(٢) رجاله ثقات، الدرامي حديث (٢٥٨٢).
(٣) الآية (٨٠) من سورة التوبة ..

<<  <   >  >>