للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فقال - صلى الله عليه وسلم -: «خير القرون قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم» (١)، فالأول فيه الصحابة - رضي الله عنهم -: وهم الأخيار على الإطلاق، والثاني فيه الآخذون عن الصحابة: وهم التابعون رحمهم الله، والثالث فيه الآخذون عن التابعين: وهم أتباع التابعين رحمهم الله، فاقتضى أن الأول أفضل على الإطلاق، والثاني أفضل من الثالث، والثالث أفضل مما بعده إلى يوم القيامة. قال عمران: فلا أدرى أذكر بعد قرنه قرنين أو ثلاثا (٢)، وتمام الحديث يوضح أنه لن يأتي بعدهم أفضل منهم، قال - صلى الله عليه وسلم -: «ثم إن بعدكم قوم يشهدون ولا يستشهدون، ويخونون ولا يؤتمنون، وينذرون ولا يوفون، ويظهر فيهم السمن» (٣)، وقد أخبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن نفقة الواحد من الصحابة في سبيل الله مهما قلّت لا يوازيها في الأجر نفقة من بعدهم مهما كثرت، قال - صلى الله عليه وسلم -: «إن أحدكم لو أنفق مثل أحد ذهبا ما أدرك مُدَّ أحدهم ولا نصيفه» (٤)، فالويل لمن طعن في فضل وعدالة أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ورضي الله عنهم أجمعين، والحكم بعدالتهم ليس معناه عند أهل السنة والجماعة عصمتهم من الخطأ، واستحالة أن يقع أحدهم في خطأ أو معصية، فقد وقعت من بعضهم المعصية، وشهد له النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد توبته بالجنة، منهم ماعز بن مالك - رضي الله عنه -، وعلى هذا أجمع أهل السنة والجماعة، ولم يخالف فيه إلا مبتدع ضال، أو حاقد على دين الإسلام، جملة وتفصيلا، فالمستصحَب عند أهل السنة والجماعة ما كان عليه الصحابة في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال الإمام الشافعي رحمه الله تعالى: ليس أحد من الناس نعلمه إلا أن يكون قليلا يمحض الطاعة، والمروءة حتى لا يخلطهما بمعصية، ولا يمحض المعصية، وترك المروءة حتى لا يخلطهما بشيء من الطاعة والمروءة، فإذا كان الأغلب على الرجل، والأظهر من أمره الطاعة والمروءة قبلت شهادته، وإذا كان الأغلب على الرجل والأظهر من أمره المعصية، وخلاف المروءة، ردت


(١) البخاري حديث (٣٠٠٧).
(٢) البخاري حديث (٣٦٥٠).
(٣) البخاري حديث (٣٦٥٠).
(٤) مسلم حديث (٢٥٤٠).

<<  <   >  >>