للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

شأنك الحق والصدق والرفق، قولك حق وحتم، وأمرك حكم وحزم، ورأيك علم وعزم، فأقلعت وقد نهج السبيل، وسهل العسير، وأطفئت النيران، وقوي الإيمان، واعتدل بك الدين، وثبت الإسلام والمسلمون، وقوي الإيمان، وظهر أمر الله ولو كره الكافرون، فسبقت والله سبقا بعيدا، وأتعبت من بعدك إتعابا شديدا، وفزت بالخير، فجللت عن البكا، وعظمت رزيتك في السماء، وهدت مصيبتك الأنام، فإنا لله وإنا إليه راجعون، رضينا عن الله قضاءه، وسلمنا له أمره، فو الله لن يصاب المسلمون بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمثلك أبدا، كنت للدين عزا وحرزا وكهفا، وللمؤمنين فيئا وحصنا وغيثا، فألحقك الله بميتة نبيك، ولا أحرمنا أجرك، ولا أضلنا بعدك، فإنا لله وإنا إليه راجعون"، فسكت الناس حتى انقضى كلامه، ثم بكوا عليه حتى علت أصواتهم، وقالوا: صدقت يا ابن عم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (١)، وكانت خلافته سنتين وثلاثة أشهر وعشرين يوما (٢).

وأخيرا من مثل أبي بكر - رضي الله عنه - قال الله عنه وعن رسوله - صلى الله عليه وسلم -: {وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} (٣)، فالذي جاء بالصدق هو رسول الله محمد بن عبد الله - صلى الله عليه وسلم -، والذي صدق به هو أبو بكر الصديق - رضي الله عنه -، مناصر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، منذ الوهلة الأولى، من كرّمه بقول الله تعالى: {إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} (٤)، قال أبو بكر: قلت: للنبي - صلى الله عليه وسلم -: وأنا في الغار: لو أن أحدهم نظر تحت قدميه لأبصرنا، فقال: «ما ظنك يا أبا بكر باثنين الله ثالثهما» (٥)، لله درك يا أبا بكر نلت شهادات عليا لم ينهلها أحد بعدك، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، وخلفك الفاروق - رضي الله عنه - فلم يفته أمر الفتح الإسلامي، وهو ما سنذكره فيما يلي في عهده - رضي الله عنه -، وهو ما أحزن الفرس اليوم.


(١) بتصرف انظر: السنة لأبي بكر بن الخلال ١/ ٢٨٤، وانظر: الشريعة للآجري ٤/ ١٧٢٥.
(٢) مروج الذهب ١/ ٢٨٨.
(٣) الآية (٣٣) من سورة الزمر.
(٤) من الآية (٤٠) من سورة التوبة.
(٥) البخاري حديث (٣٦٥٣).

<<  <   >  >>