[ذكر الزجر عن أن لا يستغني المرء بما أوتي من كتاب الله]
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ذكر الزجر عن ألا يستغني المرء بما أوتي من كتاب الله عز وجلا.
أخبرنا محمد بن الحسن بن قتيبة حدثنا يزيد بن موهب حدثنا الليث عن ابن أبي مليكة عن عبيد الله بن نهيك عن سعد بن أبي وقاص عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ليس منا من لم يتغن بالقرآن)].
اختلف في معنى (يتغن بالقرآن) قيل: يحسن صوته، وقيل: يستغني به.
ففي الترجمة: [ذكر الزجر عن ألا يستغني المرء بما أوتي من كتاب الله جل وعلا].
ومتن الحديث: [(ليس منا من لم يتغن بالقرآن).
قال الشارح: تفسير التغني الوارد في الحديث بمعنى الاستغناء ذهب إليه سفيان بن عيينة كما نقل عنه ذلك البخاري عقب الحديث في فضائل القرآن، والجمهور أن معنى (يتغنى به): يجهر به ويحسن صوته به.
[قال أبو حاتم: معنى قوله صلى الله عليه وسلم: (ليس منا) في هذا الخبر يريد به: ليس مثلنا في استعمال هذا الفعل].
هذا تأويل، وينبغي ألا يفسر هكذا، فهذا من باب الوعيد، وهذا التحذير لا يفسر ويترك على الزجر.
قال: [لأننا نفعله، فمن فعل ذلك فليس مثلنا].
كل هذا تأويل، ويقول مثل هذا النووي.
قال الشارح: [قال الحافظ: وذكر الطبري عن الشافعي أنه سئل عن تأويل ابن عيينة التغني بالاستغناء فلم يرتضه، وقال: لو أراد الاستغناء لقال: لم يستغن، وإنما أراد تحسين الصوت، وقال الحافظ: ويؤيده رواية عبد الرزاق عن معمر: (ما أذن لشيء ما أذن لنبي حسن الصوت يتغنى بالقرآن يجهر به)].
هذا التأويل مشهور عن سفيان بن عيينة قال: (يتغنى) أي يستغني به، ولو كان معناه يستغني لقال: ليس منا من لم يستغن، والأقرب الذي ذهب إليه الجمهور بأن معنى: (يتغنى) يعني: يحسن صوته، ولهذا قال في اللفظ الآخر: (ليس منا من لم يتغن بالقرآن يجهر به)، وفي اللفظ الآخر: (ما أذن الله لشيء ما أذن لنبي حسن الصوت يتغنى بالقرآن يجهر به)، والجمهور على أن معنى يتغنى، يعني: يحسن الصوت، وأما سفيان بن عيينة فيفسره بـ: يستغني به، وهذا قول فيه بُعد يخرج من اللفظ، والأقرب قول الجمهور: يحسن صوته.
وذكر الشارح الأقوال نقلاً من الفتح فقال: [اختلف في معنى قوله: (يتغنى) على أربعة أقوال: أحدها تحسين الصوت، والثاني: الاستغناء، والثالث: التحزن قاله الشافعي، والرابع: التشاغل به، تقول العرب: تغنى بالمكان أقام به].
والمشهور القول الأول.