[الحث على التدرج في الدعوة والابتداء بالمهم فالأهم]
قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا الحسن بن سفيان الشيباني قال: حدثنا أمية بن بسطام قال: حدثنا يزيد بن زريع قال: حدثنا روح بن القاسم عن إسماعيل بن أمية عن يحيى بن عبد الله بن صيفي عن أبي معبد عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بعث معاذاً إلى اليمن قال: (إنك تقدم على قوم من أهل الكتاب، فليكن أول ما تدعوهم إليه عبادة الله، فإذا عرفوا الله فأخبرهم أن الله فرض عليهم خمس صلوات في يومهم وليلتهم، وإذا فعلوها فأخبرهم أن الله فرض عليهم زكاة تؤخذ من أموالهم فترد على فقرائهم، فإذا أطاعوا بهذا فخذ منهم، وتوق كرائم أموال الناس)].
حديث معاذ مشهور رواه الشيخان، وفيه أن الداعية يبدأ بالأهم فالأهم، فيبدأ بالتوحيد، وهو معنى قوله:(فليكن أول ما تدعوهم إليه عبادة الله)، وفي لفظ:(فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله) واختلاف الروايات في الألفاظ يدل على أن المراد من الشهادتين توحيد الله وليس المراد النطق باللسان فقط، بدليل قوله في الرواية الأخرى:(فليكن أول ما تدعوهم إليه عبادة الله)، أي: توحيد الله، وفي اللفظ الآخر:(فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله)، وليس المراد قولها باللسان، بل واعتقاد معناها كما في الحديث الآخر:(أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله)، وفي لفظ:(إلى أن يوحدوا الله)، فذلك معناها.
وفيه أن الداعية يتدرج في الدعوة إن كان المخاطبون كفاراً، فيدعوهم إلى التوحيد، ثم يدعوهم إلى الصلاة، فإذا استجابوا دعاهم إلى الزكاة, وكان أهل اليمن في ذلك الزمن أهل كتاب كما في الحديث الآخر:(إنك تأتي قوماً أهل كتاب فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله)، أي: استعد لمناظرتهم؛ لأنهم أهل علم فليسوا كالمشركين الذين ليس عندهم علم، بل هم أهل كتاب.
وفيه أن الداعية ينبغي أن يعرف حال المدعوين حتى تكون الدعوة مناسبة، ولهذا أخبره النبي بحالهم وأنهم أهل كتاب، ثم وجهه إلى ما يبدأ به معهم فقال:(فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله)، وفيه قال عن الزكاة:(تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم)، والجمهور على أن الضمير في قوله: أغنيائهم وفقرائهم، يعود إلى أهل اليمن ولذا قالوا: فلا تنقل الزكاة إلى بلد آخر، وقال البخاري والأحناف: بل الضمير في قوله: (تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم) يعود إلى المسلمين، وعلى هذا فلا بأس بنقل الزكاة إلى بلد آخر، وقد توسط آخرون كشيخ الإسلام ابن تيمية فقالوا: لا تنقل الزكاة من بلد المال إلا إذا كان لمصلحة راجحة، كما إذا كان هناك قريب أو فقير أشد حاجة من فقراء البلد فإنها تنقل، وإلا فإنها تصرف في بلد المال، وقد بوب البخاري فقال:(تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم أينما كانوا) يريد في أي بلد، وهو مذهب الأحناف.
وفيه قوله:(اتق دعوة المظلوم) وأنه ينبغي للإنسان أن يحذر دعوة المظلوم، فلا يأخذ الزكاة من أنفس المال وإنما يأخذ من الوسط، وفي اللفظ الآخر:(وتوق كرائم أموالهم واتق دعوة المظلوم)، أي: ستظلم إذا أخذت النفيس من الزكاة، فاحذر دعوة المظلوم فليس لك إلا أن تأخذ من وسط المال فلا تأخذ من شراره ولا من خياره.
قال المصنف رحمه الله تعالى:[قال أبو حاتم رضي الله عنه: هذا النوع مثل الحج والزكاة وما أشبههما من الفرائض التي فرضت على بعض العاقلين البالغين في بعض الأحوال لا الكل].
يريد أن الزكاة لا تجب على كل أحد، وإنما تجب على من عنده مال.