قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ذكر نفي الإيمان عمن لم يخضع لسنن رسول الله صلى الله عليه وسلم أو اعترض عليها بالمقايسات المقلوبة، والمخترعات الداحضة.
أخبرنا أبو خليفة حدثنا أبو الوليد حدثنا ليث بن سعد عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير أن عبد الله بن الزبير رضي الله عنهم حدثه أن رجلاً من الأنصار خاصم الزبير عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في شراج الحرة التي يسقون بها النخل، فقال الأنصاري: سرِّح الماء يمر، فأبى عليه الزبير، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(اسق يا زبير! ثم أرسل إلى جارك، فغضب الأنصاري وقال: يا رسول! الله أن كان ابن عمتك؟ فتلون وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اسق يا زبير ثم احبس الماء حتى يرجع إلى الجدر)، قال الزبير: فو الله لأحسب هذه الآية نزلت في ذلك: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ}[النساء:٦٥] الآية].
وهذا رواه مسلم في الصحيح، وفيه أن الأنصاري اختصم مع الزبير في شراج الحرة، والشراج أي: مسيل الماء من المطر، فيسقون من ماء المطر فالأعلى يكون هو الأول ثم من بعده ثم من بعده وهكذا، فجاء السيل وكان الزبير الأعلى والأنصاري بعده فلما مر ماء المطر على الزبير وهو يسقي قال الأنصاري: سرح الماء، أي: اجعل الماء يمر على حديقتي أو بستاني، فأبى عليه الزبير حتى يرتوي، ثم يرسل الماء فشكاه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم للزبير:(اسق يا زبير ثم أرسل الماء إلى جارك) فغضب الأنصاري وقال: أن كان ابن عمتك، أي: جعلته يسقي ويبلغ الماء الأرض مجاملة له، فتلون وجه النبي صلى الله عليه وسلم لما أغضبه الأنصاري، واستوفى النبي صلى الله عليه وسلم للزبير حقه في صريح الحكم، ففي الحكم الأول أشار عليه بالصلح قال:(اسق ثم سرح الماء إلى جارك) فلما أغضبه الأنصاري أعطاه الحكم الصريح قال: (اسق يا زبير ثم احبس الماء حتى يصل إلى الجدر ثم أرسل الماء إلى جارك) والجدر مرتفع بمقدار ما يغطي الرجل، ثم يرسل إلى جاره فيحبس الماء حتى يغطي الرجل، ثم يرسل إلى جاره، فالنبي صلى الله عليه وسلم أعطاه الصلح وقال للزبير:(اسق يا زبير ثم ارسل الماء إلى جارك) والزبير لم يستوف حاجته من الماء، فكيف يرسله فلما أغضبه الأنصاري استوفى النبي صلى الله عليه وسلم للزبير حقه في صريح الحكم.
قال الزبير: فأنا أحسب أن هذه الآية نزلت في هذا الرجل: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ}[النساء:٦٥] هذا الرجل يحسب أنه منافق من المنافقين، ويحسب أنه من شدة الغضب تغير وتكدر ولم يتبين ما في هذه الكلمة، والمؤلف ابن حبان حمله على أنه منفي عنه الإيمان وأنه منافق؛ لهذا ترجم للحديث بقوله: ذكر نفي الإيمان عمن لم يخضع لسنن رسول الله صلى الله عليه وسلم أو اعترض عليها بالمقايسات المقلوبة والمخترعات الداحضة.
وقد ابتلي النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الرجل وأمثاله الذين يعترضون عليه، ومنهم من قال: اعدل يا محمد! فإنك لم تعدل، وأن هذه قسمة ما أريد بها وجه الله، فإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم وهو أشرف الخلق يعترض عليه بهذا فكيف يرجو المسلم أن يسلم من الناس.
قال شعيب الأرنؤوط: إسناده صحيح على شرط الشيخين، أخرجه أحمد والبخاري والترمذي والنسائي وابن ماجة ومسلم.