للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[ذكر وصف الإسراء برسول الله من بيت المقدس]

قال رحمه الله تعالى: [ذكر وصف الإسراء برسول الله صلى الله عليه وسلم من بيت المقدس: أخبرنا الحسن بن سفيان الشيباني حدثنا هدبة بن خالد القيسي حدثنا همام بن يحيى عن قتادة عن أنس بن مالك عن مالك بن صعصعة رضي الله عنهم أن النبي الله صلى الله عليه وسلم حدثهم عن ليلة أسري به قال: (بينما أنا في الحطيم - وربما قال: في الحجر- إذ أتاني آت فشق ما بين هذه إلى هذه -فقلت: للجارود وهو إلى جنبي: ما يعني به؟ قال: من ثغرة نحره إلى شعرته- فاستخرج قلبي، ثم أتيت بطست من ذهب مملوءً إيماناً وحكمة؛ فغسل قلبي، ثم حشي، ثم أتيت بدابة دون البغل وفوق الحمار أبيض -فقال له الجارود: هو البراق يا أبا حمزة؟ قال أنس: نعم يقع خطوه عند أقصى طرفه- فحملت عليه، فانطلق بي جبريل حتى أتى السماء الدنيا فاستفتح، فقيل: من هذا؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمد صلى الله عليه وسلم، قيل: وقد أرسل إليه؟ قال: نعم، قيل: مرحباً به، فنعم المجيء جاء، ففتح فلما خلصت إذا فيها آدم، فقال: هذا أبوك آدم فسلم عليه، فسلمت عليه فرد السلام، ثم قال: مرحباً بالابن الصالح والنبي الصالح، ثم صعد بي حتى أتى السماء الثانية فاستفتح، قيل: من هذا؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمد، قيل: وقد أرسل إليه؟ قال: نعم، قال: مرحباً به فنعم المجيء جاء ففتح فلما خلصت إذا يحيى وعيسى وهما ابنا خالة قال: هذا يحيى وعيسى فسلم عليهما فسلمت فردا ثم قالا: مرحباً بالأخ الصالح والنبي الصالح، ثم صعد بي إلى السماء الثالثة فاستفتح، قيل: من هذا؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمد صلى الله عليه وسلم، قيل: وقد أرسل إليه؟ قال: نعم، قال: مرحباً به، فنعم المجيء جاء، ففتح فلما خلصت إذا يوسف، قال: هذا يوسف فسلم عليه، فسلمت عليه فرد، ثم قال: مرحباً بالأخ الصالح والنبي الصالح، ثم صعد بي حتى أتى السماء الرابعة فاستفتح، قيل: من هذا؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمد صلى الله عليه وسلم، قيل: وقد أرسل إليه؟ قال: نعم، قيل: مرحباً به، فنعم المجيء جاء ففتح، فلما خلصت إذا إدريس، قال: هذا إدريس فسلم عليه، فسلمت عليه فرد، ثم قال: مرحباً بالأخ الصالح والنبي الصالح، ثم صعد بي حتى أتى السماء الخامسة فاستفتح، قيل: من هذا؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمد صلى الله عليه وسلم، قيل: وقد أرسل إليه؟ قال: نعم، قيل: مرحباً به، فنعم المجيء جاء، ففتح فلما خلصت إذا هارون، قال: هذا هارون فسلم عليه فسلمت عليه فرد السلام، ثم قال: مرحباً بالأخ الصالح والنبي الصالح، ثم صعد بي حتى أتى السماء السادسة فاستفتح، قيل: من هذا؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمد صلى الله عليه وسلم، قيل: وقد أرسل إليه؟ قال: نعم، قيل: مرحباً به، فنعم المجيء جاء ففتح، فلما خلصت إذا موسى، قال: هذا موسى فسلم عليه، فسلمت عليه، فرد السلام، ثم قال: مرحباً بالأخ الصالح والنبي الصالح)].

الله أكبر! عبر وآيات عظيمة في الإسراء والمعراج، وفوائد وحكم وفيه قدرة الله العظيمة، وأن الله على كل شيء قدير {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [يس:٨٢]، وفيه الرد على استبعاد بعض العقلانيين الذين يقولون: إنه لا يمكن أن تصعد الأجسام البشرية؛ بسبب الثقل.

قال: [(فلما تجاوزت بكى، قيل له: ما يبكيك؟ قال: أبكي لأن غلاماً بعث بعدي يدخل الجنة من أمته أكثر ممن يدخلها من أمتي، ثم صعد بي حتى أتى السماء السابعة فاستفتح، قيل: من هذا؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمد صلى الله عليه وسلم، قيل: وقد أرسل إليه؟ قال: نعم، قيل: مرحباً به، فنعم المجيء جاء، ففتح فلما خلصت إذا إبراهيم، قال: هذا أبوك إبراهيم فسلم عليه، فسلمت عليه فرد السلام، ثم قال: مرحباً بالابن الصالح والنبي الصالح، ثم رفعت إلى سدرة المنتهى، فإذا نبقها مثل قلال هجر، وإذا ورقها مثل آذان الفيلة، قال: هذه سدرة المنتهى، وإذا أربعة أنهار: نهران باطنان ونهران ظاهران، فقلت: ما هذا يا جبريل؟ قال: أما الباطنان فنهران في الجنة، وأما الظاهران فالنيل والفرات، ثم رفع لي البيت المعمور -قال قتادة: وحدثنا الحسن عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه رأى البيت المعمور، ويدخله كل يوم سبعون ألف ملك، ثم لا يعودون فيه)].

والحسن لم يسمع من أبي هريرة فهو منقطع، لكن جاء في اللفظ الآخر: (أنه يدخله كل يوم سبعون ألف ملك) والبيت المعمور في السماء السابعة، وظاهره هنا أنه فوق سدرة المنتهى، وفي الأحاديث الصحيحة: أنه في السماء السابعة، وأن إبراهيم عليه السلام مسنداً ظهره إلى البيت المعمور، هو الكعبة السماوية، محاذٍ للكعبة الأرضية، ويدخله كل يوم سبعون ألف ملك للصلاة والطواف ثم لا يعودون إليه لكثرة الملائكة، وهو في السماء السابعة وليس فوق سدرة المنتهى، أما هذه الرواية التي فيها أنه فوق سدرة المنتهى، فهي رواية الحسن عن أبي هريرة وهي منقطعة.

قال: [ثم رجع إلى حديث أنس: (ثم أتيت بإناء من خمر، وإناء من لبن، وإناء من عسل، فأخذت اللبن، فقال: هذه الفطرة أنت عليها وأمتك، ثم فرضت علي الصلاة خمسين صلاة في كل يوم، فرجعت فمررت على موسى، فقال: بم أمرت؟ قال: أمرت بخمسين صلاة كل يوم، قال: إن أمتك لا تستطيع خمسين صلاة كل يوم، وإني قد جربت الناس قبلك، وعالجت بني إسرائيل أشد المعالجة، فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك، فرجعت فوضع عني عشراً، فرجعت إلى موسى فقال مثله، فرجعت فوضع عني عشراً، فرجعت إلى موسى فقال مثله، فوضع عني عشراً، فرجعت إلى موسى فقال مثله، فرجعت فأمرت بعشر صلوات كل يوم، فرجعت إلى موسى فقال مثله، فرجعت فأمرت بخمس صلوات كل يوم)].

وفي رواية أخرى أنه في كل مرة يضع عنه خمساً، وفي هذه الرواية أنه كان يضع كل مرة عشراً.

قال: [(فرجعت إلى موسى فقال: بم أمرت قال: أمرت بخمس صلوات كل يوم، قال: إن أمتك لا تستطيع خمس صلوات كل يوم وإني قد جربت الناس قبلك، وعالجت بني إسرائيل أشد المعالجة، فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك، قال: قلت: سألت ربي حتى استحييت لكني أرضى وأسلم، فلما جاوزت ناداني مناد: أمضيت فريضتي، وخففت عن عبادي)].

وهذا الحديث ثابت في الصحيحين وفي غيرهما والإسراء ثابت في القرآن الكريم، قال تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى} [الإسراء:١]، ومن أنكر الإسراء كفر، والمعراج ثابت في السنة في الأحاديث الصحيحة الثابتة، وفيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى في كل سماء ملائكة وسلم عليهم، رأى في السماء الأولى أباه آدم، وفي الثانية يحيى وعيسى ابني الخالة، وفي الثالثة يوسف، وفي الرابعة إدريس، وفي الخامسة هارون، وفي السادسة موسى، وفي السابعة إبراهيم، وكل واحد كان يقول: مرحباً بالنبي الصالح والأخ الصالح، إلا آدم قال: مرحباً بالنبي الصالح والابن الصالح؛ لأنه أبو البشر، وكذلك إبراهيم قال: مرحباً بالنبي الصالح والابن الصالح؛ لأنه أباه بالنبوة عليه الصلاة والسلام، والباقي إخوة.

وفيه أيضاً دليل على أن السماوات لها حراس، وأن جبريل يستفتح في كل مرة.

ويدل أيضاً على أن السماوات ليست شفافة؛ لأنها لو كانت شفافة لرآهم، لكن قال: (من هذا؟ قال: جبريل، قال: ومن معك؟) لأنه لم يره، يقول: من هذا؟ يدل على أنها ليست شفافة، وأنه لا يرى من روائها، والظاهر كما قال شيخ الإسلام: أن الأرواح تأخذ شكل الأجساد.

وفي الرواية الأخرى: أنه مر بموسى وهو قائم يصلي في قبره في الإسراء، ورآه لما عرج به في السماء السادسة، فهذا يدل على أن الأرواح لها شأن، والأرواح سريعة الذهاب؛ لأن من طبيعتها الخفة، فرآه يصلي في قبره، ورآه في السماء السادسة، وكل الأنبياء ماتوا ما عدا عيسى.

وإبراهيم يلي نبينا في الفضل، ثم موسى وأما عيسى فالله أعلم وهو من أولي العزم، ويوسف كذلك هو من أولي العزم الخمسة.

<<  <  ج: ص:  >  >>