للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[ذكر خبر أوهم أن الإيمان هو الإقرار باللسان فقط دون العمل بالجوارح]

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ذكر خبر ثان أوهم من لم يحكم صناعة الحديث أن الإيمان بكماله هو الإقرار باللسان دون أن يقرنه الأعمال بالأعضاء.

أخبرنا أحمد بن يحيى بن زهير حدثنا إبراهيم بن بسطام حدثنا أبو داود حدثنا شعبة عن الأعمش وحبيب بن أبي ثابت وعبد العزيز بن رفيع عن زيد بن وهب عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من قال: لا إله إلا الله دخل الجنة، قلت: وإن زنى وإن سرق؟ قال: وإن زنى وإن سرق)].

وهذا الحديث رواه الشيخان: البخاري ومسلم.

وفيه دليل على أن الموحد من أهل الجنة ولو فعل الكبائر إذا مات على التوحيد لا بد أن يدخل الجنة إن عاجلاً أو آجلاً، لكن إن مات على توبة نصوح من الكبائر دخل الجنة من أول وهلة، وأما من مات على الكبائر: كالزنا والسرقة، وشرب الخمر، فهو على خطر من دخول النار، قد يعذب وقد يعفى عنه، ولهذا قال: (وإن زنى وإن سرق) يعني: لا بد أن يدخل الجنة؛ لأنه موحد، وحتى قال: في بعض الروايات: (وإن زنى وإن سرق؟! كررها ثلاثاً، قال في الثالثة: وإن رغم أنف أبي ذر).

ولهذا الحديث قد يظن بعض الناس أن الإيمان هو الإقرار فقط، وأن من قال: لا إله الله دخل الجنة، وهذا كما ذكر المؤلف رحمه الله ليس بصحيح، فلا بد من العمل؛ ولا بد من أداء الواجبات إذا تمكن، والصلاة لا بد منها، ومن لم يصل وتمكن من الصلاة لا ينفعه قول: لا إله إلا الله؛ لأن ترك الصلاة يخل بصحة لا إله إلا الله، وإذا قال: لا إله إلا الله وامتنع عن الصلاة، سقط التوحيد والعياذ بالله.

وقوله في الترجمة: (ذكر خبر ثان أوهم من لم يحكم صناعة الحديث أن الإيمان بكماله هو الإقرار باللسان دون أن يقرنه الأعمال بالأعضاء).

إذاً النصوص يُضم بعضها إلى بعض؛ لحديث: (الإيمان بضع وسبعون شعبة، أعلاها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياة شعبة من الإيمان)، وهنا قال: (من قال لا إله إلا الله دخل الجنة) يعني: قالها عن إخلاص وصدق، عن إخلاص فلم يدخل في عمل الشرك، وعن صدق فلم يكن منافقاً، وقال عن يقين، ومن قال ذلك عن إخلاص وصدق ويقين فلابد أن يعبد الله بجوارحه، فإذا لم يعبد دل على أنه غير مخلص وغير صادق، فهذا الحديث قد يحتج به بعض الجهلة على أن الإيمان مجرد إقرار باللسان وهذا باطل، فإن الذي يقول: لا إله إلا الله عن إخلاص وصدق لابد أن يعمل، فإذا لم يعمل دل على أنه لم يقلها عن إخلاص وصدق فلا تنفع، ولهذا قيدت كما في الحديث: (من قال لا إله إلا الله خالصاً من قلبه -وفي رواية- مخلصاً دخل الجنة).

<<  <  ج: ص:  >  >>