[ذكر شد البراق بالصخرة في خبر بريدة ورؤيته موسى يصلي في قبره]
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ذكر شد البراق بالصخرة في خبر بريدة ورؤيته موسى صلى الله عليه وسلم يصلي في قبره ليسا جميعاً في خبر مالك بن صعصعة: (فلما صعد به إلى السماء الدنيا استفتح جبريل، قيل: من هذا؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمد صلى الله عليه وسلم، قيل: وقد أرسل إليه) ليسرى به إلى السماء لا أنهم لم يعلموا برسالته إلى ذلك الوقت؛ لأن الإسراء كان بعد نزول الوحي بسبع سنين، فلما فتح له فرأى آدم على حسب ما وصفناه قبل، وكذلك رؤيته في السماء الثانية يحيى بن زكريا وعيسى بن مريم، وفي السماء الثالثة يوسف بن يعقوب، وفي السماء الرابعة إدريس، ثم في السماء الخامسة هارون، ثم في السماء السادسة موسى].
قوله: بعد نزول الوحي بسبع سنين، هذا زمن وقوع الإسراء على أحد الأقوال، وقيل: قبل الهجرة بسنة، فليس متفقاً عليه، وقد يكون له وجه، وقد تأول المؤلف (قد أرسل إليه) أي: ليسرى به، وليس المراد أنهم لم يعلموا رسالته.
يقول المؤلف: أن المراد وقد أرسل إليه لأجل أن يسرى به.
قال: [ثم في السماء السابعة إبراهيم؛ إذ جائز أن الله جل وعلا أحياهم؛ لأن يراهم المصطفى صلى الله عليه وسلم في تلك الليلة؛ فيكون ذلك آية معجزة يستدل بها على نبوته على حسب ما أصلناه قبل].
هذا ما ذهب إليه المؤلف أن الله أحياهم، يعني: بأرواحهم وأجسادهم، لكن شيخ الإسلام رحمه الله قرر في مجموعة الفتاوي: أن النبي صلى الله عليه وسلم رآهم بأرواحهم، وأن الروح أخذت شكل الجسد.
قال: [ثم رفع إلى سدرة المنتهى فرآه على الحالة التي وصف، ثم فرض عليه خمسون صلاة، وهذا أمر ابتلاء أراد الله جل وعلا ابتلاء صفيه محمد صلى الله عليه وسلم حيث فرض عليه خمسين صلاة، إذ كان في علم الله السابق أنه لا يفرض على أمته إلا خمس صلوات فقط، فأمره بخمسين صلاة أمر ابتلاء، وهذا كما نقول: إن الله جل وعلا قد يأمر بالأمر يريد أن يأتي المأمور به إلى أمره من غير أن يريد وجود كونه، كما أمر الله جل وعلا خليله إبراهيم بذبج ابنه، أمره بهذا الأمر أراد به الانتهاء إلى أمره دون وجود كونه].
وفيه جواز النسخ قبل التمكن من الفعل، فالله تعالى أمر بخمسين صلاة ثم نسخها قبل أن يتمكن العباد منها.
قال: [{فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ} [الصافات:١٠٣]، فداه بالذبح العظيم، إذ لو أراد الله جل وعلا كون ما أمر لوجد ابنه مذبوحاً، فكذلك فرض الصلاة خمسين أراد بها الانتهاء إلى أمره دون وجود كونه، فلما رجع إلى موسى وأخبره أنه أمر بخمسين صلاة كل يوم، ألهم الله موسى أن يسأل محمداً صلى الله عليهما بسؤال ربه التخفيف لأمته، فجعل جل وعلا قول موسى عليه السلام له سبباً لبيان الوجود لصحة ما قلنا].
وهو فضل من الله وإلى الله، هو الذي ألهم موسى، وهو الذي أيضاً حرك قلب نبيه صلى الله عليه وسلم لقبول قوله.
قال: [إن الفرض من الله على عباده أراد إتيانه خمساً لا خمسين، فرجع إلى الله جل وعلا فسأله فوضع عنه عشراً، وهذا أيضاً أمر ابتلاء أريد به الانتهاء إليه دون وجود كونه، ثم جعل موسى عليه السلام إياه سبباً لنفاذ قضاء الله جل وعلا في سابق علمه، أن الصلاة تفرض على هذه الأمة خمساً لا خمسين حتى رجع في التخفيف إلى خمس صلوات، ثم ألهم الله جل وعلا صفيه صلى الله عليه وسلم حينئذ حتى قال لموسى: (قد سألت ربي حتى استحييت لكني أرضى وأسلم، فلما جاوز ناداه مناد: أمضيت فريضتي -أراد بها الخمس صلوات- وخففت عن عبادي) يريد: عن عبادي من أمر الابتلاء الذي أمرتهم به من خمسين صلاة التي ذكرناها.
وجملة هذه الأشياء في الإسراء رآها صلى الله عليه وسلم بجسمه عياناً دون أن يكون ذلك رؤيا أو تصويراً صور له].
يعني: أنه شاهده بعينه، وليست رؤيا في النوم، ولا تمثيل أو تصوير، بل رآها بعينه حقيقة، وقد أسري بروحه وجسده، قال الله: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ} [الإسراء:١]، والعبد يشمل الروح والجسد، خلافاً لمن قال: إن الإسراء كان بروحه فقط، وهو ما روي عن أبي إسحاق وعائشة، وفيه رد على من قال إن الإسراء كان مناماً أو مراراً، والصواب أنه مرة واحدة بروحه وجسده، يقظة لا مناماً.
قال: [إذ لو كان ليلة الإسراء وما رأى فيها نوماً دون اليقظة لاستحال ذلك؛ لأن البشر قد يرون في المنام السماوات والملائكة والأنبياء والجنة والنار وما أشبه هذه الأشياء].
ولا يستغرب، ولو كان الإسراء مناماً لما كذبته قريش؛ لأنهم لا يكذبون بالرؤيا.
قال: [فلو كان رؤية المصطفى صلى الله عليه وسلم ما وصف في ليلة الإسراء في النوم دون اليقظة لكانت هذه حالة يستوي فيها معه البشر، إذ هم يرون في مناماتهم مثلها، واستحال فضله، ولم تكن تلك حالة معجزة يفضل بها على غيره].
ضد قول من أبطل هذه الأخبار، وأنكر قدرة الله جل وعلا، وإمضاء حكمه لما يحب كما يحب جل ربنا وتعالى عن مثل هذا وأشباهه].
قصده من هذا الرد على من قال: إن الإسراء كان مناماً.