[ما جاء في أن إخراج من كان في قلبه قدر قيراط من إيمان كان قبل إخراج من في قلبه حبة خردل من إيمان]
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ذكر البيان بأن قوله صلى الله عليه وسلم: (أخرجوا من كان في قلبه حبة خردل من إيمان) أراد به بعد إخراج من كان في قلبه قدر قيراط من إيمان].
أي: أنهم أخرجوا أولاً من كان في قلبه أكثر من حبة خردل من إيمان، ثم الذين أقل منهم إيماناً.
قال: [أخبرنا الحسن بن سفيان حدثنا يحيى بن أبي رجاء بن أبي عبيدة الحراني حدثنا زهير بن معاوية عن أبي الزبير عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا مُيِّزَ أهل الجنة وأهل النار، يدخل أهل الجنة الجنة، وأهل النار النار، قامت الرسل فشفعوا، فيقال: اذهبوا فمن عرفتم في قلبه مثقال قيراط من إيمان فأخرجوه، فيخرجون بشراً كثيراً، ثم يقال: اذهبوا فمن عرفتم في قلبه مثقال خردلة من إيمان فأخرجوه، فيخرجون بشراً كثيراً، ثم يقول جل وعلا: أنا الآن أخرج بنعمتي وبرحمتي، فيخرج أضعاف ما أخرجوا، وأضعافهم قد امتحشوا وصاروا فحماً، فيلقون في نهر، أو في نهر من أنهار الجنة، فتسقط محاشهم على حافة ذلك النهر)].
يعني: ما أكلت النار منهم، فيزال أثر الاحتراق بماء النهر.
قال: [(فيعودون بيضاً مثل الثعارير، فيكتب في رقابهم: عتقاء الله، ويسمون فيها الجهنميين).
قال: الثعارير: القثاء الصغار، قاله الشيخ].
والحديث أخرجه مختصراً مسلم من طريق يزيد الفقير عن جابر بنحوه، باب: أدنى أهل الجنة منزلة.
وهذا الحديث فيه الرد على الخوارج والمعتزلة الذين يقولون بخلود العصاة في النار، ففيه دليل على أن العصاة يخرجون من النار ولا يبقون فيها إذا كانوا موحدين.
وفيه أنه من في قلبه قيراط أخرج، ثم من في قلبه مثقال حبة من خردل، وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (يشفع الله شفاعات كل مرة يحد الله لهم حداً، في بعضها: أخرجوا من في قلبه مثقال حبة خردل من إيمان، وفي المرة التي بعدها: أخرجوا من في قلبه أدنى مثقال حبة من خردل من إيمان، وفي المرة التي بعدها: أخرجوا من في قلبه أدنى أدنى أدنى مثقال حبة من خردل من إيمان).
وفيه دليل على أن الإيمان يضعف حتى لا يبقى منه إلا قليل؛ لأن المعاصي إذا كثرت تضعف الإيمان، لكن لا تقضي عليه فإنه لا يقضي عليه إلا الكفر الأكبر، والنفاق الأكبر، والشرك الأكبر، أما المعاصي وإن عظمت فإنها لا تقضي على الإيمان، وإنما تضعفه حتى لا يبقى إلا مثقال حبة من خردل من إيمان، فيبقى معهم أصل التوحيد وبه يخرجون من النار فضلاً من الله سبحانه، أما الكفرة فلا يخرجون من النار؛ لأن الجنة حرام عليهم نسأل الله العافية.
وتارك الصلاة ليس معه شيء من الإيمان؛ لأن الصلاة شرط في صحة الإيمان، مثل الوضوء شرط لصحة الصلاة، فهل تصح الصلاة بدون وضوء؟! كذلك لا يصح الإيمان بدون صلاة.