قال المصنف رحمه الله تعالى: [ذكر البيان بأن أفضل الأعمال هو الإيمان بالله.
أخبرنا الحسين بن إدريس الأنصاري قال: حدثنا محمد بن يحيى بن أبي عمر العدني قال: حدثنا سفيان والدراوردي عن هشام بن عروة عن أبيه عن أبي مراوح الغفاري عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قلت: (يا رسول الله! أي العمل أفضل؟ قال: إيمان بالله، وجهاد في سبيله)].
هذا الحديث فيه فضل الإيمان بالله ورسوله، وفيه تسمية الإيمان عملاً؛ لأن الإيمان: تصديق بالقلب وإقرار باللسان وعمل بالجوارح، والإيمان إذا أطلق يشمل الأقوال والأعمال، والاعتقاد يشمل من الأعمال أعمال القلوب، وأعمال الجوارح, ويشمل تصديق القلب وإقراره، ويشمل قول اللسان، ويشمل عمل القلب مثل: النية والإخلاص، والصدق، والمحبة، فكلها من أعمال القلوب، وكلها داخلة في الإيمان، وفيه أنها أفضل الأعمال بدليل قوله في الحديث:(يا رسول الله! أي العمل أفضل؟ قال: إيمان بالله)، فجعله من العمل، وفيه الرد على المرجئة الذين يقولون: الأعمال غير داخلة في مسمى الإيمان؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم سمى الإيمان عملاً، بل جعله والجهاد أفضل الأعمال، وفي اللفظ الآخر: أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل: (أي العمل أفضل؟ قال: إيمان بالله ورسوله، قيل: ثم ماذا؟ قال: الصلاة على وقتها، قيل: ثم ماذا؟ قال: بر الوالدين، قيل: ثم ماذا؟ قال: الجهاد في سبيل الله) وفي بعضها قدم الجهاد على الوالدين.
والحديث السابق إسناده صحيح على شرط مسلم، وأخرجه البخاري ومسلم والدارمي.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ذكر البيان بأن الواو الذي في خبر أبي ذر الذي ذكرناه ليس بواو وصل وإنما هو واو بمعنى (ثم)].
يريد الواو في قوله:(إيمان بالله وجهاد في سبيله)، إذ الواو فيه معناه (ثم)؛ لأنه جاء في الحديث الآخر:(أي العمل أفضل؟ قال: إيمان بالله ورسوله.
قال: ثم ماذا؟ قال: الجهاد في سبيل الله)، فجعل (ثم) محل الواو، فدل على أن الواو ليس للعطف والجمع وإنما هي بمعنى ثم، كما فسرتها الأحاديث الأخرى.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن الحسن بن قتيبة اللخمي بعسقلان قال: حدثنا ابن أبي السري قال: حدثنا عبد الرزاق قال: أخبرنا معمر عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سأل رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (يا رسول الله! أي العمل أفضل؟ قال: الإيمان بالله.
قال: ثم ماذا؟ قال: ثم الجهاد في سبيل الله، قال: ثم ماذا؟ قال: ثم حج مبرور)].
وهذا الحديث رواه البخاري في الصحيح.
وذكره أيضاً أحمد ومسلم.
وفيه أن الجهاد بعد الإيمان بالله ورسله ثم الحج المبرور.