للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[باب التكليف]

قال ابن حبان رحمه الله تعالى: [باب التكليف.

ذكر الإخبار عن نفي تكليف الله عباده ما لا يطيقون].

هذه الترجمة أنكرها شيخ الإسلام ابن تيمية، فلا يرى أنها تكليف؛ وإنما هذا حق الله تعالى لكن لا يسمى تكليفاً؛ لأن ليس فيه كلفة ولا مشقة، وإن كان أصل الكلفة موجوداً، لكن لا يسمى كلفة.

قال: [أخبرنا الحسن بن سفيان حدثنا محمد بن منهال الضرير حدثنا يزيد بن زريع حدثنا روح بن القاسم عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة قال: (لما نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم هذه الآية: {لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [البقرة:٢٨٤]، أتوا النبي صلى الله عليه وسلم فجثوا على الركب، وقالوا: لا نطيق، لا نستطيع، كلفنا من العمل ما لا نطيق ولا نستطيع، فأنزل الله: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ} [البقرة:٢٨٥] إلى قوله: {غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} [البقرة:٢٨٥]، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا تقولون كما قال أهل الكتاب من قبلكم: سمعنا وعصينا، بل قولوا: {سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} [البقرة:٢٨٥]، فأنزل الله: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة:٢٨٦] قال: نعم، {رَبَّنَا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا} [البقرة:٢٨٦] قال: نعم، {رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلانَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} [البقرة:٢٨٦] قال: نعم)].

وهذا رواه مسلم في الصحيح، وفيه: أن الله تعالى نسخ الآية الأولى بالآية التي بعدها.

في مسلم: أن الصحابة جاءوا إلى النبي وجثوا على الركب، وقالوا: يا رسول الله! كلفنا من الأعمال ما نطيق؛ الصلاة والصيام وأنزلت عليك هذه الآية ولا نطيقها {وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ} [البقرة:٢٨٤] من يستطيع أن يزيل ما في نفسه؟ لا أحد يستطيع ذلك، فقال النبي: (أتريدون أن تقولوا كما قال أهل الكتابين من قبلكم: {سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا} [البقرة:٩٣]، بل قولوا: {سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا} [البقرة:٢٨٥]، فقالوا: ((سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا) فلما قرأها القوم وذلت لها أنفسهم وألسنتهم أنزل الله في إثرها: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة:٢٨٦]).

رواه مسلم في الصحيح.

يعني: أن الصحابة سموا هذا تكليفاً، وقالوا: كلفنا، ولم ينكر عليهم النبي صلى الله عليه وسلم، وشيخ الإسلام يعارض في تسميتها تكليفاً، وقد يقال: إن الصحابة قالوا للنبي: (كلفنا يا رسول الله من العمل ما نطيق)، ولم ينكر قول: كلفنا، نعم الله كلف العباد وألزمهم بأن يعبدوه ويسجدوا له؛ لأن العباد مخلوقون لهذا: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات:٥٦].

قال: أخرجه مسلم في صحيحه في باب الإيمان.

<<  <  ج: ص:  >  >>