للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[التحقق في قوله: بضع وستون أو بضع وسبعون]

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ذكر الخبر المدحض قول من زعم أن هذا الخبر تفرد به سهيل بن أبي صالح: أخبرنا عبد الله بن محمد الأزدي قال: حدثنا أبو قدامة عبيد الله بن سعيد قال: حدثنا أبو عامر العقدي قال: حدثنا سليمان بن بلال عن عبد الله بن دينار عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الإيمان بضع وستون شعبة، والحياء شعبة من الإيمان)].

فذكر أنها بضع وستون شعبة ولم يرد في هذه الرواية شك.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [قال أبو حاتم: اختصر سليمان بن بلال هذا الخبر فلم يذكر ذكر الأعلى والأدنى من الشعب، واقتصر على ذكر الستين دون السبعين، والخبر في بضع وسبعين خبر متقصى صحيح لا ارتياب في ثبوته، وخبر سليمان بن بلال خبر مختصر غير متقصى، وأما البضع فهو اسم يقع على أحد أجزاء الأعداد؛ لأن الحساب بناؤه على ثلاثة أشياء: على الأعداد والفصول والتركيب، فالأعداد من الواحد إلى التسعة والفصول: هي العشرات، والمئون، والألوف، والتركيب: ما عدا ما ذكرنا.

وقد تتبعت معنى الخبر مدة، وذلك أن مذهبنا أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يتكلم قط إلا بفائدة، ولا من سننه شيء لا يعلم معناه فجعلت أعد الطاعات من الإيمان، فإذا هي تزيد على هذا العدد شيئاً كثيرا، فرجعت إلى السنن، فعددت كل طاعة عدها رسول الله صلى الله عليه وسلم من الإيمان، فإذا هي تنقص من البضع والسبعين، فرجعت إلى ما بين الدفتين من كلام ربنا وتلوته آية آية بالتدبر، وعددت كل طاعة عدها الله جل وعلا من الإيمان فإذا هي تنقص عن البضع والسبعين، فضممت الكتاب إلى السنن وأسقطت المعاد منها، فإذا كل شيء عده الله جل وعلا من الإيمان في كتابه وكل طاعة جعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم من الإيمان في سننه تسع وسبعون شعبة لا يزيد عليها ولا ينقص منها شيء].

وابن حبان رحمه الله أبدى عناية في هذا الحديث فذكر أن الرسول قال: (الإيمان بضع وسبعون شعبة)، والبضع من ثلاثة إلى تسعة، وعلى ذلك فيمكن أن يصل العدد إلى تسع وسبعين، فأخذت أعد كل طاعة أعدها الله من الإيمان فوجدتها تنقص على البضع والسبعين، فرجعت إلى السنة فعددت كل طاعة جعلها الرسول من الإيمان فوجدتها تنقص، ثم رجعت مرة أخرى فتدبرت القرآن آية آية ثم ضممت ما في السنة إلى ما في الكتاب وأسقطت المكرر فوصلت إلى تسعة وسبعين شعبة.

وهو في صنيعه هذا قد وافق البيهقي , فقد عدها البيهقي في كتابه شعب الإيمان، فأوصلها إلى تسع وسبعين شعبة.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [فعلمت أن مراد النبي صلى الله عليه وسلم كان في الخبر أن الإيمان بضع وسبعون شعبة في الكتاب والسنن، فذكرت هذه المسألة بكمالها بذكر شعبه في كتاب: وصف الإيمان وشعبه.

].

قال القاضي عياض فيما نقله الحافظ في الفتح: تكلف جماعة حصر هذه الشعب بطريق الاجتهاد، وفي الحكم بكون ذلك هو المراد صعوبة.

ولا يقدح عدم معرفة ذلك على التفصيل في الإيمان، قال الحافظ: وأقربها إلى الصواب طريقة ابن حبان، لكن لم نقف على بيانها من كلامه، وقد لخصت مما أوردوه ما أذكره وهو ثم سردها الشيخ قوله: مما أوردوه يعني: ما أورده العلماء اجتهاداً منهم.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [فذكرت هذه المسألة بكمالها بذكر شعبه في كتاب: (وصف الإيمان وشعبه)، بما أرجو أن فيه الغنية للمتأمل إذا تأملها فأغنى ذلك عن تكرارها في هذا الكتاب، والدليل على أن الإيمان أجزاء بشعب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في خبر عبد الله بن دينار: (الإيمان بضع وسبعون شعبة: أعلاها شهادة أن لا إله إلا الله) فذكر جزءاً من أجزاء شعبه هي كلها فرض على المخاطبين في جميع الأحوال؛ لأنه صلى الله عليه وسلم لم يقل: وأني رسول الله والإيمان بملائكته وكتبه ورسله والجنة والنار وما يشبه هذا من أجزاء هذه الشعبة].

لأن ذلك داخل في كلمة التوحيد، فإذا أطلقت إحدى الشهادتين تدخل فيها الأخرى.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [واقتصر على ذكر جزء واحد منها حيث قال: (أعلاها شهادة أن لا إله إلا الله)، فدل هذا على أن سائر الأجزاء من هذه الشعبة كلها من الإيمان، ثم عطف فقال: (وأدناها إماطة الأذى عن الطريق)، فذكر جزءاً من أجزاء شعبه هي نفل كلها للمخاطبين في كل الأوقات، فدل ذلك على أن سائر الأجزاء التي هي من هذه الشعبة وكل جزء من أجزاء الشعب التي هي من بين الجزأين المذكورين في هذا الخبر اللذين هما من أعلى الإيمان وأدناه كله من الإيمان].

أي: ذكر أعلاها وأدناها وترك ما بينهما من الشعب.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [وأما قوله صلى الله عليه وسلم: (الحياء شعبة من الإيمان)، فهو لفظة أطلقت على شيء بكناية سببه، وذلك أن الحياء جبلة في الإنسان، فمن الناس من يكثر فيه، ومنهم من يقل ذلك فيه، وهذا دليل صحيح على زيادة الإيمان ونقصانه؛ لأن الناس ليسوا كلهم على مرتبة واحدة في الحياء، فلما استحال استواؤهم على مرتبة واحدة فيه، صح أن من وجد فيه أكثر كان إيمانه أزيد، ومن وجد فيه منه أقل كان إيمانه أنقص، والحياء في نفسه: هو الشيء الحائل بين المرء وبين ما يباعده من ربه عن المحظورات، فكأنه صلى الله عليه وسلم جعل ترك المحظورات شعبة من الإيمان بإطلاق اسم الحياء عليه على ما ذكرناه].

<<  <  ج: ص:  >  >>