للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[بيان أن الإيمان قول وعمل]

قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا الحسن بن سفيان قال: حدثنا محمد بن أبي بكر المقدمي قال: حدثنا عباد بن عباد قال: حدثنا أبو جمرة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (قدم وفد عبد القيس على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله! إنا هذا الحي من ربيعة حالت بيننا وبينك كفار مضر، ولا نخلص إليك إلا في شهر حرام، فمرنا بأمر نعمل به، وندعو من وراءنا، قال: آمركم بأربع: الإيمان بالله، شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وأن تؤدوا خمس ما غنمتم، وأنهاكم عن الدباء والحنتم، والنقير والمقير)].

هذا الحديث -حديث وفد عبد القيس- حديث مشهور رواه الشيخان وغيرهما، وفيه أنه فسر الإيمان بالأعمال فقال: (آمركم بأربع وأنهاكم عن أربع، آمركم بالإيمان بالله وحده، أتدرون ما الإيمان بالله وحده؟) ثم فسر فقال: (شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وأن تؤدوا خمس ما غنمتم) فدل على أن الأعمال داخلة في مسمى الإيمان، وهذا من أفصح الأدلة في الرد على المرجئة الذين يقولون: إن الأعمال غير داخلة في مسمى الإيمان.

وقوله: (وأنهاكم عن أربع: الدباء والحنتم والنقير والمقير)، أي: لا تنبذوا النبيذ في هذه الأشياء الأربعة الصلبة؛ لأنهم كانوا ينتبذون بها، والنقير: جذع النخل ينقر ثم يجعل فيه العصير، والمقير: المطلي بالقار، والحنتم: هي الجرار الخضر وهي تشبه صلبة الزير، والدباء: هو ما يعرف بالقرع، يؤخذ منه اللب ثم يُيَبس ويجعل فيه العصير المأخوذ من التمر أو من العنب أو من غيرها، فإذا مكث العصير في هذه الأشياء يومين أو ثلاثة فإنه يتخمر من شدة الحر، ثم يشربونه وهو خمر، فنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم عن أن ينتبذوا في هذه الأشياء الصلبة؛ لأنه قد يتخمر وهم لا يشعرون، وإنما أمرهم أن ينتبذوا في الأسقية في الجلد؛ لأنها إذا وضع فيها العصير وتخمر تشققت وقذفت الزبد وحينها تعرف أنها خمر، أما هذه الأشياء الصلبة فإن العصير يتخمر فيها وهم لا يعلمون؛ فلهذا نهاهم، وهذا في أول الإسلام قبل أن تستقر الشريعة ويعلم الناس الحكم، فلما استقرت الشريعة وعرف الناس الحكم نسخ ذلك، وأباح لهم النبي صلى الله عليه وسلم أن ينتبذوا في كل الأوعية وقال: (انتبذوا في كل وعاء، ولا تشربوا الخمر)، وإنما نهاهم في أول الإسلام أن ينتبذوا في هذه الأشياء الصلبة؛ لئلا يتخمر وهم لا يشعرون، وأباح لهم أن ينتبذوا في الأشياء الرقيقة التي تتشقق كالجلود والأسقية.

ووفد عبد القيس هم أهل جواثا، حيث كانت ثاني جمعة جمعت فيها بعد مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، وهذه المنطقة في الأحساء، وكل المنطقة التي تطل على الخليج كانت تسمى البحرين، وآثار جواثا موجودة إلى الآن في الأحساء في منطقة محمية.

قال المصنف رحمه الله: [قال أبو حاتم: روى هذا الخبر قتادة عن سعيد بن المسيب وعكرمة عن ابن عباس وأبي نضرة عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه].

<<  <  ج: ص:  >  >>