قال المصنف رحمه الله تعالى: [ذكر البيان بأن الإيمان أجزاء وشعب لها أعلى وأدنى.
أخبرنا عبد الله بن محمد الأزدي قال: حدثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي قال: حدثنا جرير قال: حدثنا سهيل بن أبي صالح عن عبد الله بن دينار عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (الإيمان بضع وستون شعبة، أو بضع وسبعون شعبة، فأرفعها لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان)].
وهذا الحديث رواه الشيخان، ورواية البخاري:(الإيمان بعض وستون شعبة)، ورواية مسلم:(الإيمان بضع وسبعون)، وفيه دليل على أن الأعمال داخلة في مسمى الإيمان، فهو رد على المرجئة الذين يقولون: إن الأعمال ليست داخلة في مسمى الإيمان، فقوله:(بضع وسبعون شعبة) بيان أن كلها داخلة في مسمى الإيمان، حتى أن البيهقي رحمه الله تتبع هذه الشعب وألف كتاباً سماه شعب الإيمان، وقد أوصلها إلى تسع وسبعين شعبة، والبضع من الثلاثة إلى التسعة، فجعلها أعلى البضع، وقد تتبعها من النصوص، وتقدم قريباً أن في هذا رداً على المرجئة الذين يقولون: إن الأعمال تصديق بالقلب فقط, يريدون أعمال القلوب فحسب أما أعمال الجوارح فهي عندهم ليست داخلة في مسمى الإيمان، ومثل هذا الحديث حديث وفد عبد القيس المتقدم وفيه:(آمركم بالإيمان بالله وحده: شهادة أن لا إله إلا الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وأداء الخمس)، فقد أدخل الأعمال في مسمى الإيمان، وهذا الحديث رواه الشيخان، وحديث وفد عبد القيس رواه الشيخان.
قال المصنف رحمه الله تعالى:[قال أبو حاتم: أشار النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الخبر إلى الشيء الذي هو فرض على المخاطبين في جميع الأحوال، فجعله أعلى الإيمان].
فذكر أن أعلاها: قول لا إله إلا الله، وذلك قوله صلى الله عليه وسلم:(الإيمان بضع وسبعون شعبة أعلاها قول: لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى) ثم بين أن بين الأعلى والأدنى شعباً متفاوتة، منها ما يقرب من شعبة الشهادة ومنها ما يقرب من شعبة الإماطة، فالصلاة شعبة، والزكاة شعبة، والصوم شعبة، وأعلى تلك الشعب على الإطلاق هي كلمة التوحيد، وأدنى تلك الشعب أن تميط الأذى، (والحياء شعبة من الإيمان)، وهو عمل قلبي.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ثم أشار إلى الشيء الذي هو نفل للمخاطبين في كل الأوقات، فجعله أدنى الإيمان - وهو الإماطة - فدل ذلك على أن كل شيء فُرض على المخاطبين في كل الأحوال، وكل شيء فُرض على بعض المخاطبين في بعض الأحوال، وكل شيء هو نفل للمخاطبين في كل الأحوال كله من الإيمان -كالفرائض والنوافل فإنها كلها من الإيمان- وأما الشك في أحد العددين فهو من سهيل بن أبي صالح في الخبر كذلك قاله معمر عن سهيل -يعني: بضع وستون أو بضع وسبعون- وقد رواه سليمان بن بلال عن عبد الله بن دينار عن أبي صالح مرفوعاً وقال:(الإيمان بضع وستون شعبة) -وهذه رواية البخاري - ولم يشك وإنما تنكبنا خبر سليمان بن بلال - أي تركناه وملنا عنه- في هذا الموضع واقتصرنا على خبر سهيل بن أبي صالح؛ لنبين أن الشك في الخبر ليس من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنما هو كلام سهيل بن أبي صالح كما ذكرناه].
وهذا الخبر رد على بعض الأحناف المتعصبين للمرجئة فيما يرون من أن الأعمال غير داخلة في مسمى الإيمان، حيث يقولون: الحديث فيه شك؛ لأن بعض رواياته تقول: بضع وسبعون، وبعضها بضع وستون وعلى هذا فلا يعتمد دليلاً على أن الأعمال داخلة في مسمى الإيمان، كل ذلك نصرة لمذهبهم: أن الأعمال غير داخلة في مسمى الإيمان، وهذا كلام باطل، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يشك، وإنما الشك من الراوي.