للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الصلاة؛ بدليل حديث ابن عباس رضي الله عنهما عندما بات عند خالته ميمونة، فقام الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يصلي من الليل، فقام معه عن يساره، فجعله عن يمينه (١). ففيه إشارة إلى أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نوى الإمامة في أثناء الصلاة (٢).

قال ابن عبد البر: (فيه رد على من لم يجز للمصلي أن يوم أحدًا إلا أن ينوي الإمامة مع الإحرام؛ لأن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لم ينو إمامة ابن عباس، وقد قام إلى جنبه فأتم به، وسلك رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سنة الإمامة؛ إذ نقله عن شماله إلى يمينه) (٣).

وهناك أدلة أخرى تفيد اقتداء الصحابة -رضي الله عنهم- بالنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ولم ينو الإمامة من أول الصلاة، فأتم بهم، ولم ينكر عليهم، فدل على أن نية الإمامة ليست شرطًا.

قال الشيخ عبد العزيز بن باز -رحمه الله-: (ولا فرق بين الفريضة والنافلة؛ لأن الأصل التسوية بينهما في الأحكام، إلا ما خصه الدليل ولا مخصص هنا فيما أعلم، والله أعلم) (٤). فإن لم يجد أحدًا يصلي طلب من الحاضرين أن يصلي أحدهم معه؛ لحديث أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه-: أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أبصر رجلًا يصلي وحده، فقال: "ألا رجل يتصدق على هذا فيصلي معه"؟ فقام رجل فصلى معه (٥).

وعموم الحديث يفيد أن المصلي مع الجماعة يصلي مع هذا المتأخر ولو كانت المغرب أو العصر، وسأذكر ذلك، إن شاء الله (٦) أو يخرج إلى مسجد آخر فيصلي فيه إذا كان يطمع في إدراك جماعته، وقد ورد في صحيح البخاري أن الأسود بن يزيد النخعي -أحد كبار التابعين- كان إذا فاتته الجماعة ذهب إلى مسجد آخر.

وقد أورد البخاري -رحمه الله- هذا الأثر في باب "فضل صلاة الجماعة"، وبين الحافظ ابن حجر أن البخاري قصد بإيراده في هذا الباب أن الفضل الوارد في صلاة الجماعة مقصور على من جمّع في المسجد، دون من جمّع في بيته -مثلًا-؛ لأن التجميع لو لم يكن مختصًا بالمسجد لجمّع الأسود في مكانه، ولم ينتقل إلى مسجد آخر؛ لطلب الجماعة (٧).

فينبغي لمن فاتته الجماعة في مسجده أن يحرص على تحصيل ثوابها ولو في مسجد آخر؛ لا سيما إذا كان قريبًا من منزله لا يشق عليه، وفي وقتنا هذا كثرت المساجد في الأحياء، وقد يكون هناك فارق في وقت الإقامة بين مسجد ومسجد، مما يكون سببًا في إدراك الصلاة في مسجد آخر.

[الحكم الثامن عشر إقامة جماعة غير معتادة لمن فاتتهم الصلاة]

إذا دخل المصلي المسجد فوجد الإمام قد فرغ من الصلاة، أو في التشهد -كما مضى- فإن له أن يقيم جماعة ثانية هو ومن معه، ولا حرج في ذلك إن شاء الله تعالى، لكن لا ينبغي للجماعة الثانية أن يصلوا إذا وجدوا الإمام في التشهد إلا بعد أن تنتهي الجماعة الأولى التي مع الإمام الراتب؛ لئلا تجتمع


(١) هذا قطعة من حديث طويل أخرجه البخاري (٦٩٩) وفي مواضع أخرى، ومسلم (٧٦٣).
(٢) انظر فتح الباري (٢/ ١٩٢).
(٣) التمهيد (١٣/ ٢١٠).
(٤) انظر فتح الباري (٣/ ١٤).
(٥) المرجع السابق. والحديث يأتي تخريجه -إن شاء الله-.
(٦) انظر: الحكم التاسع عشر.
(٧) انظر فتح الباري (٢/ ١٣١).

<<  <   >  >>