للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بالفريضة التي أقيمت؛ وذلك لأمرين:

الأول: أن التسليم خاص بالصالة الكاملة؛ لحديث علي -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مفتاح الصلاة الطهور، وتحريمها التكبير، وتحليلها التسليم" (١).

الثاني: قوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إذا أحدث أحدكم في صلاته فيأخذ بأنفه ثم لينصرف" (٢) فأمره بالانصراف ولم يأمره بالسلام لوجود هذا العارض الذي قطع صلاته، وإقامة الفريضة عارض تقطع النافلة لأجله، فلم تحصل النافلة الكاملة التي لا يكون الخروج منها إلا التسليم. والله أعلم.

[تحية المسجد الحرام]

اعلم أن داخل المسجد الحرام له حالتان:

الأولى: أن يريد الطواف، فهذا تحيته الطواف، سواء كان لحج أو عمرة، أو كان الطواف تطوعًا أو غير ذلك، فيبدأ بالطواف ثم يصلي ركعتي الطواف خلف المقام فلا يجلس -إن أراد الجلوس- إلا وقد صلى.

فحصلت التحية ضمنًا؛ لأن المقصود افتتاح محل العبادة بعبادة، وعبادة الطواف تحصّل هذا المقصود (٣).

هذه هي السنة في حقه، وأما كونه يصلي ركعتين تحية المسجد ثم يبدأ بالطواف فهذا خلاف السنة؛ فإنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لما دخل المسجد بدأ بالطواف، كما في حديث جابر وغيره (٤). وبعض الناس لا يعرف هذا، فتراه يصلي ركعتين ثم يذهب إلى المطاف لأداء نسكه.

أما لو أراد الجلوس قبل الطواف وأراد تأخيره لعذر، كانتظار رفقة أو لاستراحة فهذا يشرع له أن يصلي تحية المسجد ركعتين؛ لعموم حديث أبي قتادة: "فلا يجلس حتى يصلي ركعتين".

الحالة الثانية: أن يريد الجلوس لانتظار صلاة أو قراءة أو ذكر ونحو ذلك فهذا يشرع في حقه أن يصلي التحية؛ لعموم الأدلة الواردة في الصلاة قبل الجلوس، فإنها تشمل المسجد الحرام بلا ريب.

ولا يقال: عن تحية المسجد الحرام هي الطواف؛ لأمرين:

الأول: أن ما اشتهر على الألسنة من أن تحية المسجد الحرام الطواف لا أصل له. قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: (حديث "من أتى البيت فليحيه بالطواف" لم أجده) (٥).

وقال القاري في الموضوعات الكبرى: (حديث "تحية البيت الطواف". قال السخاوي: لم أره بهذا اللفظ. قلت: المراد بالبيت هو الكعبة، وهو بيت الله الحرام، ومعناه صحيح، كما في الصحيح عن عائشة: "أول شيء بدأ به النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حين قدم مكة أنه توضأ ثم طاف .. " الحديث.

وذلك لأن كل من يدخل المسجد الحرام يسن له أن يبدأ بالطواف فرضًا أو نفلًا، ولا يأتي بصلاة تحية المسجد إلا إذا لم يكن في نيته أن يطوف لعذر أو غيره.


(١) أخرجه أبو داود (٦١)، والترمذي (٣)، وابن ماجه (٢٧٥)، وقال الترمذي: "هذا الحديث أصح شيء في هذا الباب وأحسن". وقال النووي: حديث حسن، والحديث له شواهد يرقى بها إلى درجة الصحة. انظر: نصب الراية (١/ ٣٠٨).
(٢) أخرجه أبو داود (١١١٤)، وابن ماجه (١٢٢٢)، والحاكم (١/ ١٨٤)، وصححه على شرطهما، ووافقه الذهبي.
والحديث له طرق، وقد اختلف في وصله وإرساله. فانظر السنن الكبرى للبيهقي (٢/ ٢٥٤)، وانظر معناه في "معالم السنن" (١/ ٢٤٨).
(٣) انظر إحكام الأحكام بحاشية الصنعاني (٢/ ٤٧٤)، والقواعد النورانية (ص ١٠١).
(٤) انظر فتح الباري (٢/ ٤١٢).
(٥) الدراية (٢/ ١٧)، وانظر نصب الراية (٣/ ٥١).

<<  <   >  >>