للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الناس فأراد أحد أن يجتاز بين يديه فيدفعه، فإن أبى فيقاتله، فإنما هو شيطان" (١).

وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إذا كان أحدكم يصلي فلا يدع أحدًا يمر بين يديه، فإن أبى فليقاتله؛ فإن معه القرين" (٢)، ففي حديث أبي سعيد تقييد دفع المار فلم يقيد بوضع السترة، وفي حديث ابن عمر أطلق دفع المار فلم يقيد بوضع المصلي سترة وكذا ورد في حديث أبي سعيد عند البخاري في رواية له (٣)، لأن التقييد بوضع السترة قيد أغلبي، ولا تعارض بين المطلق والمقيد، فالمقيد يبقى على تقييده، فيدفع إن اتخذ سترة، ويبقى المطلق على إطلاقه، فيرد ولو لم يتخذ سترة، لأن المصلي مأمور بالصلاة إلى سترة، ومأمور بدفع المار سواء امتثل فوضع سترة أم لا (٤).

والمراد بالمقاتلة: الدفع بعنف وقهر، لا جواز القتل؛ لأن هذا اللفظ خرج مخرج التغليظ، والمبالغة في كراهة المرور (٥).

[(٥) رفع الصوت بالكلام:]

ومن التشويش بعد الإقامة ما يقوم به بعض الناس، ولا سيما الشباب، في بعض المساجد من تبادل الأحاديث ورفع الصوت بذلك، فتفوتهم تكبيرة الإحرام مع الإمام، وكذلك قراءة الفاتحة فإذا ركع الإمام أسرعوا وآذوا المصلين بأصواتهم وحركاتهم، وهذا التصرف ينبئ عن تساهل بالصلاة من جانب، وعدم رعاية المصلين من جانب آخر، وإذا كان من يصلي نافلة مأمورًا بقطعها -على أحد الأقوال كما تقدم- لأجل أن يدرك الفريضة من أولها، مع أنه في عبادة، فكيف حال من يتأخر عن أول الفريضة من أولها، مع أنه في عبادة، فكيف حال من يتأخر عن أول الفريضة وشغله القيل والقال بل وأذية الآخرين؟!

ثم لا أدري ما حكم هذه الركعة التي ترك فيها هذا المتساهل قراءة الفاتحة مع إمكانه؟ تقدم الخلاف في هذه المسألة، لكني أخشى بطلان هذه الركعة التي لم يقرأ فيها هذا المصلي الفاتحة تساهلًا وتشاغلًا لأن الخلاف ينبغي أن يكون فيمن دخل المسجد فوجد الإمام في الركوع فركع معه، فهذا معذور بفوات محل القراءة وهو القيام، أما هذا فلم يمتثل قول الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا كبر فكبروا" فهو لم يكبر مع إمامه، ولم يقرأ دعاء الاستفتاح، ولم يقرأ الفاتحة مع إمكانه، فأي ركعة هذه؟ بل وأي صلاة هذه؟

ومن المأمومين من اعتاد رفع الصوت في أثناء الصلاة بالقراءة أو الذكر أو الدعاء فيشوش على من بجانبه ويخلّط عليه، وإذا كان هذا بصفة دائمة فهو خلاف السنة، فإن السنة المخافتة باتفاق المسلمين، لا سيما إذا كان الجهر فيه أذية.

لكن لو جهر المأموم أحيانًا بشيء من الذكر فلا بأس، فقد ثبت أن من الصحابة المأمومين من جهر بدعاء حين افتتاح الصلاة، وعند رفع رأسه من الركوع ولم ينكر عليه النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فقد ورد عن رفاعة بن رافع الزرقي قال: كنا يومًا نصلي وراء النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فلما رفع رأسه من الركعة قال: "سمع الله لمن حمده" قال


(١) أخرجه البخاري (٥٠٩)، ومسلم (٥٠٥).
(٢) أخرجه مسلم (٥٠٦).
(٣) أخرجه البخاري (٣٢٧٤).
(٤) انظر: فتح الباري (١/ ٥٨٢).
(٥) انظر: التمهيد (٤/ ١٨٩)، شرح السنة (٢/ ٤٥٦).

<<  <   >  >>