للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[الحكم الرابع عشر في صفة الصلاة]

ثبت عنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه قال: "صلوا كما رأيتموني أصلي" (١). وقد بين النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صفة الصلاة بالقول والفعل. وحريّ بالمكلف أن يتأسى بنبيه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في صفة صلاته، فإن ذلك أقوى في إيمانه، وأدلّ على اتباعه لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وأكمل في عبادته. وكثير من الناس يخلّون في الصلاة بأشياء، إما جهلًا وإما تهاونًا، وسأذكر -بعون الله- صفة الصلاة كما ثبت في السنة، مجرد عن الدليل خشية الإطالة، مع عزو كل صفة إلى مصدرها من مصادر السنة، فأقول:

يسن القيام إلى الصلاة عند قول المؤذن: "قد قامت الصلاة"، وإن قام عند رؤية الإمام، أو عند أول الإقامة فلا بأس؛ لأن في الأمر سعة (٢).

ثم يكبر تكبيرة الإحرام قائلًا: "الله أكبر"، لا يجزئ عنها غيرها (٣)، رافعًا يديه إلى منكبيه، أو إلى فروع أذنيه، مبسوطتين، مضمومتي الأصابع مستقبلًا ببطونهما القبلة (٤).

وما يفعله بعض الناس من الرفع إلى سرته، أو فوفها بقليل فهو قصور في تطبيق السنة.

وهذا الرفع مشروع في حق المرأة أيضًا؛ لأن الأصل أن ما ثبت في حق الرجال يثبت في حق النساء، وكذا العكس، إلا ما دل الدليل على استثنائه (٥).

فإن وجد مانع من الرفع رفع حسب استطاعته، فإن كان لا يستطع رفعهما معًا، رفع واحدة. والأفضل أن يبدأ التكبير مع رفع يديه، وينهيه مع انتهاء الرفع؛ لأن الرفع للتكبير، وله أن يقدم الرفع قبل التكبير، أو يقدم التكبير قبل الرفع (٦). فإذا فرغ من تكبيرة الإحرام سن له أن يقبض كوع يسراه بيمينه (٧) أو يضع يده اليمنى على ذراع اليد اليسرى، ثم يضعهما على صدره (٨)، وهو دليل الخشوع والذل والانكسار بين يدي رب العالمين (٩).

والسنة أن ينظر المصلي إلى موضع سجوده؛ لأنه أخشع للقلب، وأكف للبصر، وأبلغ في الخضوع، ولا فرق في ذلك بين المسجد الحرام وغيره؛ لعدم المخصص (١٠).

ولم يرد في المسافة بين القدمين حال القيام سنة عن الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فتكون المسافة بحسب طبيعة الإنسان حال وقوفه؛ لأن كل شيء لم يرد به صفة شرعية فإنه يبقى على طبيعته (١١).

ثم يستفتح وهو سنة، فيقول: "سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله


(١) انفرد بها البخاري (٦٣١)، عن بقية أصحاب الكتب الستة.
(٢) انظر: شرح النووي على مسلم (٥/ ١٠٥)، بدائع الفوائد (٣/ ٨٠).
(٣) زاد المعاد (١/ ٢٠١).
(٤) البخاري (٧٣٥)، ومسلم (٣٩٠، ٣٩١)، وانظر: زاد المعاد (١/ ٢٠٢).
(٥) المغني (٢/ ٢٥٨)، مجموع فتاوى ابن عثيمين (١٣/ ٧٣، ٧٤).
(٦) انظر: نيل الأوطار (٢/ ١٧٩).
(٧) أبو داود (٧٢٣)، النسائي (٢/ ٩٧). وإسناده صحيح. وانظر: التلخيص (١/ ٢٣٨).
(٨) البخاري (٧٤٠)، ابن خزيمة (٤٧٩)، البيهقي (٢/ ٣٠)، وانظر: الشرح الممتع (٣/ ٤٦).
(٩) انظر: الخشوع في الصلاة، لابن رجب ص (٣٥، ٣٦).
(١٠) الشرح الممتع (٣/ ٥١).
(١١) انظر: الإنصاف (٢/ ٦٩).

<<  <   >  >>