للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عن المحب الطبري أنه قال: (يحتمل أن يقال: وقتهما قبل الجلوس وقت فضيلة، وبعده وقت جواز، أو يقال وقتهما قبله أداء وبعده قضاء، ويحتمل أن تحمل مشروعيتهما بعد الجلوس على ما إذا لم يطل الفصل) (١).

إذا دخل المسجد وقد أقيمت الفريضة -كما تقدم- أو صلاة نفل كالتراويح، أو صلى مقضية سقطت عنه تحية المسجد؛ لقوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة" (٢).

لأن المقصود من تحية المسجد هو تعظيم المسجد بأي صلاة كانت وشغل بقعة المسجد بصلاة، فقامت الفريضة أو النافلة أو المقضية ونحوها مقام التحية، فلم تبق التحية مطلوبة (٣).

إذا دخل والخطيب يوشك أن ينهي خطبة الجمعة فإنه يقف إلى قيام الصلاة، لكراهة الجلوس قبل التحية، ولا يصليها؛ لأنه مأمور بصلاتها حيث يمكنه ذلك، وفى هذه الحال لا يمكنه أن يصلي، فتسقط عنه، وكذا لو خشي فوات تكبيرة الإحرام، أو الفاتحة، أو الركعة الأولى سقطت عنه تحية المسجد (٤).

إذا دخل المسجد الحرام وهو يريد الطواف سقطت عنه التحية. وقد مضى الكلام على هذه الصورة.

والله أعلم.

[الحكم السابع الصلاة إلى سترة]

ومما ينبغي أن يحرص عليه المصلي بعد دخول المسجد أن يصلي النافلة إلى سترة، وأن يدنو منها، وهي مشروعية في حق الإمام والمنفرد، وكذا المسبوق إذا قام لقضاء ما فاته إن أمكن، حتى ولو كان المصلي في مكان لا يخشى فيه مارًا؛ لعموم الأدلة لكل مصلّ؛ ولأنه قد يكون المار من الجنس الذي لا يراه الإنسي، وهو الشيطان، كما في حديث سهل الآتي -إن شاء الله-.

ولا فرق في مشروعية اتخاذ السترة بين الرجال والنساء، على أن التساهل فيها موجود، فمن المتنفلين من لا يصلي إلى سترة، بل يصلي وسط المسجد، أو في مؤخره بلا سترة، وهذا من الجهل وعدم الفقه في الدين. والنساء يتساهلن في السترة، فلا تكاد تجد امرأة تصلي في بيتها إلى سترة إلا القليل النادر (٥).

وقد دلت السنة القولية والفعلية على تأكيد اتخاذ السترة، وقد واظب عليها النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولم يتركها حضرًا ولا سفرًا، وأمر بها في عدة أحاديث، حتى ذهب فريق من أهل العلم إلى وجوبها، وهو مروي عن الإمام أحمد رحمه الله، وبه قال ابن خزيمة وبدر الدين العيني والشوكاني وغيرهم، رحم الله الجميع، وهذا قول قوي وإن كان الجمهور قالوا بالسنية، فإن الأمر باتخاذ السترة أمر مطلق لا قرينة معه تصرفه عن الوجوب، فيكون مقتضيًا له، وإليك بعضًا من هذه النصوص:

عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "إذا صلى أحدكم فليصل إلى سترة، وليدن منها، ولا يدع أحدًا يمر يه وبينها، فإذا جاء أحد يمر فيقاتله؛ فإنه شيطان" (٦).


(١) فتح الباري (١/ ٥٣٨)، كشاف القناع (٢/ ٤٦).
(٢) تقدم تخريجه.
(٣) فتح الباري (١/ ١٤).
(٤) انظر: الأم (١/ ٢٢٧).
(٥) انظر: عمدة القاري (٤/ ١٢٣)، ونيل الأوطار (٣/ ٣).
(٦) أخرجه أبو داود (٢/ ٣٩٠)، وابن ماجه (١/ ٣٠٧)، والبيهقي (٢/ ٢٦٧)، وقد صححه ابن خزيمة (٢/ ٢٧)، والألباني =

<<  <   >  >>